وباه تميما بالغنى أن للغنى ... لسان به المرء الهيوبة ينطق.
ذم الغنى- قال الله عز ذكره (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) .
ويستجاد جداً قول محمود الوراق في هذا الباب:
لا تشعرن قلبك حب الغنى ... إن من العصمة أن لا تجد.
كم واجد أطلق وجدانه ... عنانه في بعض ما لم يرد.
ومدمن للخمر غاد على ... سماع عود وغناء غرد.
لو لم يجد خمرا ولا مسمعا ... برد بالماء غليل الكبد.
وكم يد للفقر عند امرء ... طأطأ منه الفقر حتى اقتصد.
مدح الفقر- من أحسن ما قيل فيه قول أبي العتاهية:
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى ... وأن الغنى يخشى عليه من الفقر.
وقول محمود الوراق:
يا عائب الفقر ألا تنزجر ... عيب الغنى أكثر لو تعتبر.
من شرف الفقر ومن فضله ... على الغنى لو صح منك النظر.
إنك تعصي الله تبغي الغنى ... ولست تعصي الله كي تفتقر.
قلت: محمود الوراق أخذ هذا المعنى من سبيكة ذهب، وقلبه في قطعة خشب، وأين هذا من قول الأول:
دليلك أن الفقر خير من الغنى ... وأن قليل المال خير من المثري.
لقاؤك مخلوقا عصى الله للغنى ... ولم تر مخلوقا عصى الله للفقر.
ذم الفقر- في كتاب المهبج: الفقر في الأذن وقر، وفي العين عقر، وفي القلب بقر، وفي الجوف بقر، وأنشد:
إذا قل مال المرء قل حياؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه.
وأصبح لا يدري وإن كان حازما ... أقدامه خير له أم وراؤه.
وقال صالح بن عبد القدوس:
بلوت أمور الناس سبعين حجة ... ولا بست صرف الدهر في العسر واليسر.
فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر.
@أنوار الربيع في أنواع البديع
الجزء الثالث تتمة باب المغايرة وقال أبو أحمد التمامي:
غالبت كل شديدة فغلبتها ... والفقر غالبني فأصبح غالبي
إن أبده يفضح وإن لم أبده ... يقتل فقبح وجهه من صاحب
مدح الصبر - قال بعضهم:
ما أحسن الصبر في مواطنه ... والصبر في كل موطن حسن
وقال علي بن الجهم:
وعاقبة الصبر الجميل جميلة ... وأفضل أخلاق الرجال التفضل
وقال بعضهم:
الصبر مفتاح ما يرجى ... وكل خطب يهون
اصبر وإن طالت الليالي ... فربما أمكن الحرون
وربما نيل باصطبار ... ما قيل هيهات لا يكون
والنظم والنثر في هذا المعنى كثير جدا.
ذم الصبر - قال البرقعي:
من حمد الصبر وحالاته ... فلست بالحامد للصبر
كم جرعة للصبر جرعتها ... أمر في الذوق من الصبر
وقال آخر:
ما أحسن الصبر ولكنه ... في ضمنه يذهب عمر الفتى
وقال القاضي الفاضل:
يقولون أن الصبر يعقب راحة ... وما ضمنوا تبليغ عاقبة الصبر
وفي الصبر ربح أو طريق مبلغ ... إلى الربح لكن الخسارة من عمري
وما أحسن قول الشاعر:
ومصبر للصب قلت له وهل ... صبر لمن عنه الحبيب يغيب
والله إن الشهد بعد فراقهم ... ما لذ لي فالصبر كيف يطيب
مدح المشورة - قال بعض البلغاء: المشورة لقاح العقول، ورائد الصواب، والمستشير على طريق النجاح، واستنارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير. وقد أمر الله بالمشورة أكمل الخلق لبابة، وأولاهم بالإصابة، فقال لرسوله الكريم، في كتابه الحكيم (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) .
وقال الأصمعي: قلت لبشار بن برد: يا أبا معاذ، والله ما سمعت في المشورة أحسن من قولك:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم
فقال لي: أما علمت أن المشاور بين إحدى الحسنيين، صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه. فقلت له: والله لأنت في كلامك هذا أشعر منك في شعرك.
ذم المشورة - كان عبد الملك بن صالح الهاشمي يذم المشورة ويقول: ما استشرت أحدا قط إلا تكبر علي وتصاغرت له، ودخلته العزة، ودخلتني الذلة. فإياك والمشاورة وإن ضاقت بك المذاهب، واستبهمت عليك المسالك وأداك الاستبداد إلى الخطأ الفادح.