وأحسن اتفاق وقع في هذا النوع, ما اتفق للشيخ شمس الدين بن الكوفي الواعظ في الوزير مؤيد الدين بن العلقمي حيث قال:
يا عصبية الإسلام نوحي والطمي ... حزنا على ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل أوانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي
فاتفق له أن المذكورين وزيران, وأن المورى نهران معروفان, مع المطابقة بين الفرات العذب والعلقم المر.
ومنه قول الملك الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين يوسف لما تعصب عليه عمه أبو بكر وأخوه عثمان, فكتب إلى الإمام الناصر صاحب بغداد:
مولاي إن أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غضبا بالسيف حق علي
وهو الذي كان قد ولاه والده ... عليهما فاستقام الأمر حين ولي
فخالفاه وحلا عقد بيعته ... والأمر بينهما والنص فيه جلي
فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول
فاتفق له قضية طابقتها أسماء من كانت قضيتهم كقضيته حسب اعتقاده, ولما وصل كتابه إلى الإمام الناصر كتب إليه:
وافى كتابك يا بن يوسف معلنا ... بالحق يخبر أن أصلك طاهر
غصبوا عليا حقه إذ لم يكن ... بعد النبي له بيثرب ناصر
فاصبر فإن غدا عليه حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر
وكتب إليه ابن عنين من الهند قصيدة يقول فيها (وفيه شاهد لما نحن فيه أيضاً) :
هيهات أن آتي دمشق وملكها ... يعزي إلى غير المليك الأفضل
ومن العجائب أن يقوم بها أبو ... بكر وقد علم الوصية في علي
مهلا أبا حسن فتلك سحابة ... صيفية عما قليل تنجلي
وبيت بديعية الصفي قوله:
محمد واسمه بالاتفاق له ... وصف يشاكله في اسمه العلم
وبيت بديعية ابن حجة قوله: ووصفه لابنه قد جاء تسمية=فانه حسن حسب اتفاقهم قال في شرحه: اتفاق هذا البيت في لفظي (حسن وحسن) وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى ولده الحسن عليه السلام وقال: إن ابني هذا سيد, وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظمتين.
وبيت بديعية الطبري قوله:
من اسم جد أبيه وصف ساعده ... وذاك هاشم الأعدا باتفاقهم (كذا)
وبيت بديعيتي هو:
ما زال آباؤه بالحمد مذ عرفوا ... فكان أحمدهم وفق اتفاقهم
الاتفاق فيه اشتراك لفظي أحمد, الذي هو علم له صلى الله عليه وآله وأحمد هو اسم تفضيل. فإن قلت: العلم لا يضاف لأن شرط الإضافة الحقيقية تنكير المضاف, قلت قد يضاف العلم إذا جرد عن التعريف, بان يجعل واحدا من جملة من سمي بذلك اللفظ كقوله:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني
وبيت المقري قوله:
الرسل أحمد أوصافا وأحمدهم ... في الوصف أحمدنا فاشكر يد النعم
ومن الاتفاق أني اتفقت والشيخ في هذا الاتفاق من قبل أن أقف على بيته هذا.
[الجمع مع التفريق]
ضياؤه الشمس في تفريق جمع دجى ... وقدره الشمس لم تدرك ولم ترم
هذا النوع عبارة عن أن يدخل المتكلم شيئين في معنى واحد, ثم يفرق جهتي الإدخال كقوله تعالى "يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى" أدخل النفسين في حكم التوفي, ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال, أي الله يتوفى الأنفس التي تقبض, والنفس التي لا تقبض, فيمسك الأولى ويرسل الأخرى.
ومن أمثلته في الشعر قول مروان بن أبي حفصة:
تشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل
أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل
فإنه أدخل يوميه في التشابه والإشكال, ثم فرق بينهما, فجعل أحدهما للبذل والسماحة, والثاني للنجدة والشجاعة.
وقول البحتري:
ولما التقيا والنقا موعد لنا ... تعجب رائي الدر حسنا ولاقطه
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
فجمع المرئي من الدر والملقوط منه في كونهما متعجبا منهما, ثم فرق بينهما, فجعل الأول مجلوا عند الابتسام وهو ثغره, وجعل الثاني مسقطا عند المحادثة وهو حديثه.
وقول الفخر عيسى:
تشابه دمعانا غداة فراقنا ... مشابهة في قصة دون قصة