للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا سعوا فاشتروا مدح النفوس سعى ... فابتاع مدحك بالغالي من القيم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

ومن إذا رمت أحصي مدحه وبقى ... عمري عجزت وعشر العشر لم أقم.

وبيت بديعيتي قولي:

إذا تزوج إثمي فاقتضى نقمي ... حققت فيهم رجائي فاقتضى نعمي.

زاوج بين تزاوج الإثم وتحقيق الرجاء الواقعين في الشرط والجزاء، في أن رتب عليهما اقتضاء شيء على حده في بيتي البحتري المقدم ذكرهما، وتأمل سائر أبيات البديعيات المذكورة فإن أكثرها لا ينطبق على تعريفهم المذكور للمزاوجة والله أعلم.

[المجاز.]

هم المجاز إلى باب الجنان غدا ... فلست أخشى وهم لي زلة القدم.

المجاز خلاف الحقيقة، وهو في اللغة مفعل من جاز المكان يجوز إذا تعداه، نقل إلى اللفظ الجائز أي المتعدي مكانه الأصلي، واللفظ المجوز به، على معنى أنهم جازوا به مكانه الأصلي.

وفي الاصطلاح، وهو اللفظ المستعمل في غيرها وضع له بالوضع الشخصي أو النوعي، لعلاقة بين المعنيين، مع قرينة عدم إرادة ما وضع له، فخرج الغلط لعدم العلاقة كقولك خذ هذا الفرس، تشير إلى كتاب، وخرجت الكناية لأنها مستعملة فيما وضعت له مع جواز إرادته، ثم العلاقة إن كانت المشابهة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي فه استعارة، وإلا فغير استعارة، ويسمى مجازا مرسلا.

وشمل هذا الحد المجاز بنوعيه، أعني المفرد سواء كان استعارة أيضاً كقولك للمتردد: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى.

أو مرسلا كقوله:

هواي مع الراكب اليماني مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق.

فإن هذا المركب موضوع بالوضع النوعي للأخبار، والغرض منها إظهار التحزن والتحسر، والعلاقة فيه استعمال ما وضع للازم في الملزوم، لأن إظهار التحزن والتحسر ملزوم للأخبار غالبا، فظهر أن حصر المجاز المركب في الاستعارة- كما وقع لأكثرهم- عدول عن الصواب، كما حققه السعد التفتازاني في شرح التلخيص، وهذا التعريف للمجاز هو رأي أهل المعاني والبيان.

وقال البديعيون: المجاز هو تجوز الحقيقة، بحيث يأتي المتكلم إلى اسم موضوع لمعنى فيحتضره إما بأن يجعله مفردا بعد أن كان مركبا، أو غير ذلك من وجوه الاختصار.

مثال الأول قول جرير:

إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا.

يريد بالسماء مطر السماء، فجعله مفردا، ويريد بالضمير في رعيناه ما ينبته مطر السماء.

ومثال غير ذلك قول العتابي:

يا ليلة لي بحوارين ساهرة ... حتى تكلم في الصبح العصافير.

فقوله: ساهرة مجاز، قاله الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته. وإنما كان قوله: ساهرة من الاختصار، لأن الأصل: أنا ساهر فيها، فاختصر ذلك بأن أسند السهر إلى الليلة، وهو عند أهل البيان مجاز إسنادي، ويسمى المجاز الحكمي، والعقلي. وهو عندي داخل في باب الاستعارة كما حقق في محله.

تنبيهات: الأول المجاز المرسل، يقع على وجوه كثيرة. أحدها إطلاق السبب على المسبب، كاليد على النعمة لصدورها عنها، وعلى القدرة لظهور سلطانها بها، ومنه قولهم: رعينا غيثا أي نباتا، لأن الغيث سبب للنبات.

الثاني إطلاق المسبب على السبب، وهو عكس الأول كقولهم: أمطرت السماء نباتا، أي غوثا لكون النبات مسببا عنه.

الثالث تسمية الشيء باسم ما كان عليه، كقوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم) أي الذين كانوا يتامى، إذ لا يتم بعد البلوغ.

الرابع تسميته باسم ما يؤل إليه كقوله تعالى: (أني أرآني أعصر خمرا) أي عنباً يؤل إلى الخمرية (لا يلدوا إلا فاجرا كفارا) أي صائرا إلى الفجور والكفر.

الخامس إطلاق اسم الكل على الجزء، ويشترط فيه أن يكون أصلا فيما وقع المجاز بسببه، كقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) أي ذاته لأن معدن كتمان الشهادة القلب، ومنهم قولهم للربيئة عين، لأنها المقصود من كون الرجل ربيئة دون سائر ما عداها.

السادس إطلاق الجزء على الكل، وهو عكس ما قبله، والشرط ما سبق كقوله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم) أي أناملهم.

السابع إطلاق الحال على المحل، كقوله تعالى: (في رحمة الله هم خالدون) أي في الجنة، لأنها محل الرحمة.

<<  <   >  >>