الثامن إطلاق اسم المحل على الحال، وهو عكس ما قبله، كقوله تعالى: (فليدع ناديه) أي أهل نادية، أي مجلسه.
التاسع تسميته الشيء باسم آلته نحو (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) أي ثناء، لأن اللسان آلته (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) أي بلغة قومه.
العاشر إطلاق الفعل، والمراد مشارفته وقارنته وإرادته، كقوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فامسكهن) أي قاربن بلوغ الأجل، أي انقضاء العدة، لأن الإمساك لا يكون بعده. وقوله تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) أي فإذا قري مجيئه وبه يندفع السؤال المشهور وهو أن عند مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير، وقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) أي أردتم القيام.
الحادي عشر إطلاق اسم اللازم على الملزوم، كقوله عليه السلام العباس بن مرداس: (اقطعوا عني لسانه) وأمر له بمائة ناقة، أراد عليه السلام: أسكتوه عني، لأن قطع اللسان ملزوم للسكوت.
الثاني عشر إطلاق اسم الملزوم على اللازم، وهو عكس ما قبله، كما ورد أنه عليه السلام كان إذا دخل العشر الأخير من شهر رمضان شد المئزر، والمراد الاعتزال عن النساء، لأن شد المئزر لازم لاعتزالهن، قال:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار.
وغير ذلك مما يتعذر حمل اللفظ فيه على معناه الحقيقي.
الثاني: أنكر بعضهم وقوع المجاز في القرآن. وشبهته أن المجاز أخو الكذب، إن القرآن منزه عنه، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعين بالمجاز، وذلك محال على الله تعالى، وهذه شبهة باطلة، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها.
الثالث: اختلف في أنواع، هل هي من المجاز أم لا؟ أحدها الحذف، والمشهور أنه من المجاز، وأنكره بعضهم، لأن المجاز استعمال اللفظ في غير موضوعه، والحذف ليس كذلك، وقال الخطيب في الإيضاح: متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز، نحو اسأل القرية، ليس كمثله الشيء. فإن كان الحذف والزيادة مما لا يوجب تغير الإعراب نحو: أو كصيب من السماء، أي مثل ذو صيب، فبما رحمة، أي فبرحمة. فالكلمة لا توصف بالمجاز.
الثاني التشبيه، زعم قول انه كجاز وتبعهم ابن حجة في شرح بديعيته، والصحيح انه حقيقة. قال الزنجاني في المعيار: لأنه معنى من المعاني، وله ألفاظ تدل عليه وضعا، فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه. وقال الشيخ عز الدين: إن كان بحرف فهو حقيقة، أو بحذفه فمجاز، بناء على أن الحذف من باب المجاز.
الثالث الكناية وفيها أربعة مذاهب: احدها: أنها حقيقة، قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر، لأنها استعملت فيما وضعت له وأريد به الدلالة على غيره. الثاني: أنها مجاز. والثالث: أنها لا حقيقة ولا مجاز. والرابع: أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز. فإن استعمل اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضاً فهو حقيقة، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز، لاستعماله في غير ما وضع له، ليفيد غير ما وضع له.
الرابع: التقديم والتأخير. عده قوم من المجاز. قال في البرهان: والصحيح أنه ليس منه، فإن المجاز نقل إلى ما وضع له إلى ما لم يوضع له.
الخامس: قيل بالواسطة بين الحقيقة والمجاز في ثلاثة أشياء: احدها اللفظ قبل الاستعمال. ثانيها الإعلام. ثالثها اللفظ المستعمل في المشاكلة، نحو: ومكروا ومكر الله، لأنه لا يوضع لما استعمل فيه فليس حقيقة، ولا علاقة معتبرة فليس مجازا، كذا عن بعضهم في شرح بديعية ابن جابر لرفيقه، قال السيوطي: والذي يظهر انه مجاز، والعلاقة المصاحبة.
وبيت بديعية الصفي الحلي قوله:
صالوا فنالوا الأماني من مرادهم ... ببارق في سوى الهيجاء لم يشم.
قال في شرحه: لفظة بارق مجاز في السيف.
ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية العز الموصلي قوله:
أحيا فؤادي مجازي نحو حجرته ... وقد دهشت لجمع فيه مزدحم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
هو المجاز إلى الجنات إن عمرت ... أبياته بقبول سابغ النعم.
وبيت بديعية المقري قوله: