إمام هدى بالقرص آثر فاقتضى ... له القرص رد القرص أبيض أزهرا
فلفظة القرص في أول البيت مراد بها قرص الشعير الذي آثر به المسكين، والأسير، واليتيم. وفي آخره: قرص الشمس في ردها له.
ومنه قول بعضهم في وصف كتاب:
كتاب كوشي الروض حظت سطوره ... يد ابن هلال عن فم ابن هلال
أراد بابن هلال الأول: أبا الحسن علي بن هلال، المعروف بابن البواب الكاتب المشهور، قال ابن خلكان: لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله، ولا قاربه. وبابن هلال الثاني: أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي، صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع. وعلى ذلك بنى فحول أرباب البديعيات أبياتهم.
فبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي (ره) قوله:
له السلام من الله السلام وفي ... دار السلام تراه شافع الأمم
السلام الأول: من التسليم، والثاني: من أسمائه تعالى، والثالث: بمعنى السلامة، سميت الجنة بذلك، لأن الصائر إليها يسلم من كل آفة وغير ذلك.
ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
له الجميل من الرب الجميل ... على الوجه الجميل بترديد من النعم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
أبدى البديع له الوصف البديع وفي ... نظم البديع حلا ترديده بفمي
وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
هو الجواد رسول للجواد بمض ... مار الجواد له الترديد بالنعم
الجواد الأول بمعنى السخي، والثاني: من أسمائه تعالى، والثالث: الفرس الرائع، ولكن انظر، ما معنى قوله: بمضمار الجواد؟ فإني لا أرى له هنا معنى.
وبيت بديعيتي هو قولي:
هو القسيم له أو في القسيم على ... نفي القسيم ولا ترديد في القسم
القسيم الأول بمعنى الجميل - من القسامة وهو الحسن - والثاني بمعنى القسم بالكسرة وهو النصيب - نص عليه في القاموس -، والثالث بمعنى المقاسم. والمعنى: أن له أوفى النصيب من كل فضل وشرف، مع نفي المقاسم له في ذلك. وقولي: ولا ترديد في القسم: تذييل، والمعنى: أن القسم مقضية قضاء فصل لا ترديد فيها.
وبيت بديعية شرف الدين المقري قوله:
جلت فتوحا وجلت معشرا كفرا ... طردا وجلت دياجي الأعصر الدهم
هذا البيت غير صالح للتجريد لتعلق معناه ببيت العكس قبله، والضمير في جلت عائد إلى الظبا في البيت المذكور. والترديد في لفظة جلت، فالأولى بمعنى عظمت، والثانية بمعنى أخرجت من الجلاء وهو الخروج من البلد - والثالثة بمعنى كشفت، يقال: جلى الشيء أي كشفه، ومنه جلى الصبح الظلام.
[المناسبة]
زاكي النجار علو المجد ناسبه ... زاهي الفخار كريم الجد ذو شمم
المناسبة على ضربين: معنوية ولظفية، والمعنوية هي التناسب في المعاني ويندرج فيها مراعاة النظير، والتوشيح - وقد تقدما - وتناسب الأطراف، وائتلاف المعنى مع المعنى - وسيأتيان إن شاء الله تعالى _. وتوهم ابن حجة أن المناسبة المعنوية أمر غير ذلك، وعرفها بتعريف تناسب الأطراف الذي سماه بعضهم بتشابه الأطراف المعنوي، ومثل لها بأمثلته، وبأمثلة مراعاة النظير، وخلط بين النوعين. ونظمته أنا في بديعيتي وستراه إن شاء الله تعالى. وأما مراعاة النظير، والتوشيح، وائتلاف المعنى مع المعنى فقد نظموه كما مر، ويأتي.
وأما المناسبة اللفظية، وهي المقصودة هنا بالذكر، فهي عبارة عن الإتيان بكلمات متزنات، أما مقفاة وتسمى التامة، أو غير مقفاة وتسمى الناقصة.
فالأولى كقوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون. ما أنت بنعمة ربك بمجنون. وإن لك لأجرا غير ممنون) .
ومن أمثلته في الشعر قول مروان بن أبي حفصة:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وقول السلامي:
ظلت تزف له الدنيا محاسنها ... وتستعد له الألطاف والتحفا
من عارض وكفا أو بارق خطفا ... أو طائر هتفا أو سائر وقفا
وقول أبي سعيد الرستمي:
يرد سناك البدر والبدر زاهر ... ويقفو نداك البحر والبحر زاخر
والثانية كقوله تعالى: (وظل ممدود. وماء مسكوب) .
وقول محمد بن هاني المغربي:
تأتي له خلف الخطوب عزائم ... تذكي لها خلف الصباح مشاعل