للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أدمجت شكواي من ذنبي بمدحته ... عساك تشفع لي يا شافع الأمم

قال في شرحه: أنه أدمج فيه الشكوى من ذنبه. قال ابن حجة: لكن نوع الإدماج البديعي لا أعلم أين أدمجه.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

قد عز إدماج شوقي والدموع لها ... على بهار خدودي صبغة العنم

قال في شرحه: قدت شرح الحال في غرة إدماج الشوق بواسطة جريان الدموع، وأدمجت في ذلك صفرة اللون وحمرة الدموع.

وبيت بديعية المقري قوله:

واحفظه في سربه وارفع له علماً ... في السابقين وسر بي في حمى العلم

وبيت بديعية العلوي قوله:

يا طالبا من رسول الله بغيته ... أبشر فأمتنه في الحشر في حرم

وبيت بديعيتي قولي:

أدمجت مدحك والأيام عابسة ... وأنت أكرم من يرجى لدى الازم

أدمجت هنا بمعنى أحكمت، من قولهم: صلح دماج -بضم أوله وكسره- أي محكم، أو بمعنى ثقفت من قولهم: قدح مدمج، أي مثقف مستوي. وإلازم -بفتحتين، وكعنب- جمع أزمة وهي الشدة. والإدماج في تضمين المدح الذي سبق الكلام لأجله شكوى الأيام، وسؤال النجاة من شدائدها، نجانا الله بكرمه منها، والله تعالم أعلم.

[الاحتراس]

وكم مننت بلا من على رجل ... من احتراس حلول الخطب لم ينم

الاحتراس في اللغة: التحفظ. وفي الاصطلاح أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه فيه دخل، أو يوهم خلاف المقصود، فيتنبه له فيأتي بما يخلصه من ذلك، وهو في التنزيل كثير، منه قوله تعالى (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) فقوله من غير سوء: احترس عن البهق والبرص. وقوله تعالى (لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) احترس لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان عليه السلام. ومثله] قوله تعالى [ (فتصيبكم] منهم [معرة بغير علم) .

وقوله تعالى (قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون) فالجملة الوسطى احترس لئلا يتوهم أن التكذيب لما في نفي الأمر.

ومن أمثلته في النظم قول طرفة بن العبد:

فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الغمام وديمة تهمي

فقوله (غير مفسدها) احترس من عفا آثارها، ومحو معالمها، فأن نزول المطر قد يكون سبباً لذلك، وهكذا قال غير واحد. وتعقبه بعض بأن مجرد احتمال كون المطر للفساد لا يكفي في إيهام خلاف المقصود، بل لا بد من وقوع سبق إلى الذهن، ولا يسبق من السقي إلا الإصلاح لشيوعه في ذلك، فكون البيت من قبيل الاحتراس محل تأمل، اللهم إلا أن يقال سبق الذهن بالفساد من قوله: ديمة، فإن الديمة هي المطر الدائم الذي ليس فيه رعد ولا برق. وبعد لا يخلو من شوب، لأن تقدم قوله: غير مفسدها على قوله: وديمة تهمي، يدفع هذا التوجيه. انتهى.

قلت: ومما عيب على أبي الطيب قوله:

وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار

قال الوزير الكاتب أبو محمد بن عبد الغفور المغربي وكتبه إلى أمير المسلمين وقد أراد الغزو:

سر حل حيث تحله النوار ... وأراك فيك مرادك المقدار

وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... وغمامة لا ديمة مدرار

تنفي الهجير بظلها وتنيم بالرش القتام وكيف شئت تدار

وقضى الإله بأن تعود مظفرا ... وقضت بسيفك نحبها الكفار

هذا ما تمناه الولي، لا ما تمناه الجعفي، فأنه قال: حيث ارتحلت وديمة، وما تكاد تنعقد معها عزيمة، وإذا سفحت على ذي سفر، فما أحراها بأن تعوق عن الظفر، ونعتها فكان أبلغ في الأضرار.

منه قول الفرزدق:

لعن الإله بني كليب أنهم ... لا يغدرون ولا يفوق لجار

فقوله: لا يفون، احتراس لئلا يتوهم أن عدم غدرهم من الوفاء، فقال ولا يفون، ليفيد أنه للعجز، وقوله: لجار: إيغال، لأن ترك لوفاء للجار أشد قبحا.

وبيت بديعية الصفي قوله:

فوقني غير مأمور وعودك لي ... فليس رؤياك أضغاثاً من الحلم

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

حبي له يتمشى في المفاصل قل ... بالاحتراس تمشي البرء في السقم

قال ابن حجة: الشيخ صفي الدين احترس في بيته بقوله: غير مأمور، وبيت الشيخ عز الدين عجزت عن تحقيقه، بل عن تحقيق معناه، وهو مأخوذ من قول أبي نواس في وصف الخمر:

فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم

<<  <   >  >>