للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل

ينال بالرفق ما يعيى الرجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل

لا يرحل الناس إلا عند حجرته ... كالبيت يضحي إليه ملتقى السبل

يكسو السيوف نفوس الناكثين به ... ويجعل الهام تيجان القنا الذبل

يغدو فتغدو المنايا في أسننه ... شوارعا تتحدى الناس بالأجل

إذا طغت فئة عن غب طاعته ... عبى لها الموت بين البيض والأسل

تراه الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل

لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ... ولا يسمح عينيه من الكحل

قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل

ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني، عن يزيد بن مزيد قال: أرسل إلي الرشيد يوما في وقت لا يرسل فيه إلى مثلي، فآتيته لابسا سلاحي مستعدا لأمر أن أراده، فلما رآني ضحك إلي وقال: من الذي يقول فيك:

تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل

لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل

فقلت: لا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال: سوءة لك من سيد قوم يمدح بمثل هذا الشعر ولا يعرف قائله، وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائلة وهو مسلم بن الوليد. فانصرفت ودعوت به ووصلته.

وبيت بديعية الصفي:

بكل منتصر للفتح منتظر ... وكل معتزم بالحق ملتزم

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية الموصلي:

تشطير معتدل بالسيف مشتمل ... في جحفل لهم كالأسد في الأجم

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وانشق من أدب له بلا كذب ... شطرين في قسم تشطير ملتزم

وبيت بديعية المقري قوله:

لا تخش يا آملا من نهره سائلا ... في سيله العرم أمن من العدم

وبيت بديعية السيوطي قوله:

والعمر شطره فيهم وقدره ... تشطير مغتنم للحق ملتزم

وبيت بديعية العلوي قوله:

لله من رجل بالعز مشتمل ... بالحق متسم بالله معتصم

وبيت بديعية الطبري قوله:

والبدر شق له شطرين حق له ... تشطير ملتزم نصرا ومنتقم

وبيت بديعيتي قولي

كم مارد حرد شطرته بيد ... تشطير منتقم بالله ملتزم

[المساواة]

فمن يساويك في بأس وفي كرم ... وأنت أفضل مبعوث إلى الأمم

المساواة عبارة عن أن يكون اللفظ مساويا للمعنى، غير زائد عليه ولا ناقص عنه. واختلفوا في أمرين: أحدهما هل هي واسطة بين الإيجاز ة الإطناب، أم داخلة في قسم الإيجاز؟ فالسكاكي والتيفاشي والخطيب القزويني على الأول، وابن الأثير والطيبي وجماعة على الثاني، وسماها الطيبي إيجاز قصر. قال: وهو أن تقصر اللفظ على المعنى. وأغرب ابن حجة في قوله: أن المساواة معتبرة في قسمي الإيجاز والإطناب. ولا قائل به، بل لا يصح القول به، وتمثيله-لاعتبارها في قسم الإطناب- بقوله تعالى (أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) -الآية- أغرب، فأن هذه الآية من أعظم شواهد إيجاز القصر كما تقدم في نوع الإيجاز. ومثل لها القزويني في التلخيص يقوله تعالى (ولا يحق المكر السيئ إلا بأهله) .

ويقول النابغة:

فأنك كالليل الذي هو مدركي ... وان خلت أن المنتآى عنك واسع

وتعقب بأن في الآية إطنابا بلفظ السيئ، لأن المكر لا يكون إلا سيئاً من حيث كونه حيلة يجلب بها مضرة إلى الغير، وإيجازا بالحذف إذا كان الاستثناء غير مفرغ، لأن التقدير: ولا يحيق المكر السيئ بأحد إلا بأهله، وإيجازا بالقصر لكونها دالة على الكف عن جميع أنواع الأذى المؤدى إليه المكر وعن الأضرار بجميع الناس، ولأنها تدل على أن المكر السيئ يضر بصاحبه مضرة بليغة لا يقدر على التفصي منها، والتخلص من غائلتها بوجه من الوجوه، وذلك لمكان الاستعارة التبعية في يحيق، لأنه بمعنى يحيط، والإحاطة تختص بالأجسام، فشبه نزول تبعة المكر بصاحبه بإحاطة جسم بآخر من كل جانب بحيث لا يتيسر له الفرار منه.

<<  <   >  >>