للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مستهل دموعي يوم فرقته ... أمطرت سحبا غزارا فهي تنهمر

ومن لهيب ضلوعي في محبته ... أوقدت في الحي نارا فهي تستعر

وكم كتمت ولوعي خوف شهرته ... فزاد فيه اشتهارا والهوى عبر

فإنه يخرج من كل بيت بيت من مجزو المجتث هكذا:

من مستهل دموعي ... أمطرت سحبا غزارا

ومن لهيب ضلوعي ... أوقدت في الحي نارا

وكم كتمت ولوعي ... فزاد فيه اشتهارا

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

فلو رأيت مصابي عندما رحلوا ... رثيت لي من عذابي يوم بينهم

فإنك إذا أسقطت من كل شطر من البيت جزء صار البيت هكذا:

فلو رأيت مصابي ... رثيت لي من عذابي

وابن جابر نظم هذا النوع في بيتين فقال وتكلف ما شاء:

واف كريم رحيم قد وفى ووقى ... وعم نفعا فكم ضر شفى وكم

فقم بنا فلكم فقر كفى كرما ... وجود تلك الأيادي قد صفا فقم

قال ابن حجة - ونعم ما قال - أقول: لو اختصر العميان هذين البيتين, وأضافوهما إلى ما اختصروه من البديع لكان أجمل بهم, فإنهم أسقطوا من أنواع البديع نحو السبعين.

وقصد الناظم فيهما - أعني البيتين - أنك إذا أسقطت من البيت الكلمة الموازنة (فعلن) من آخر كل نصف وهما قوله (ووقى) وقوله (وكم) صار الوزن من الضرب الأول من البسيط وهو التام, إلى الضرب الثالث منه وهو المجزو.

لأنه قد حذف منه جزء من آخر كل نصف فصار:

واف كريم رحيم قد وفى ... وعم نفعا فكم ضر شفى

فقم بنا فلكم فقر كفى ... وجود تلك الأيادي قد صفا

وهذا مع ركية وثقالة نظمه, غير المشهور من البسيط, فإنه لم يشتهر منه غير العروض الأولى المخبونة, ووزنها (فعلن) ولها ضربان, المشهور منها الأول وهو مخبون مثلها.

وبيت بديعة الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

وفي الهوى ضل تشريع العذول لنا ... وكم هوى في مقال ذل من حكم

هذا البيت يخرج منه بيتان أحدهما من منهوك الرجز وهو:

وفي الهوى ... وكم هوى

والثاني من العروض الثالثة المحذوفة المخبونة من المديد وهو:

ضل تشريع العذول لنا ... في مقال ذل من حكم

ولقد برز الشيخ عز الدين على من تقدمه في هذا البيت, فإن الصفي وابن جابر لم يتحصل لهما بيتان من بيت ولهذا قال في شرحه: إن هذا النمط ما وقع للمتقدمين وهو معجز ليس لأديب عليه قدرة.

وقد نسج ابن حجة على منواله فقال:

طاب اللقا لذ تشريع الشعور لنا ... عل التقا فنعمنا في ظلالهم

فإنه يخرج منه بيتان أيضاً أحدهما:

طاب اللقا ... على النقا

والثاني:

لذ تشريع الشعور لنا ... فنعمنا في ظلالهم

وزاد على الشيخ عز الدين بتمام معنى البيت الأول الذي هو من منهوك الرجز, فإن بيته لا تتم به الفائدة, ولا يحسن السكوت عليه.

والطبري حاك على منوال الشيخ صفي الدين فقال:

تسرعوا بولائي إذ وثقت بهم ... لأن فيهم رجائي وفق شرعهم

وبيت بديعيتي محوك على منوال بيتي الموصلي وابن حجة وهو:

لاح الهدى فهدى تشريع ملته ... لما بدا لسلوك المنهج الأمم

فإنه يخرج منه بيتان أيضاً أحدهما:

لاح الهدى ... لما بدا

والثاني:

فهدى تشريع ملته ... لسلوك المنهج الأمم

والبيت الأول أعني الذي من منهوك الرجز تام المعنى, مستقل بنفسه, يحسن السكوت عليه كبيت ابن حجة, لا بيت الموصلي.

وبيت الشيخ إسماعيل المقري قوله:

فلو ترى ما أقاسي لأبليت به ... هوى يهد الرواسي غير منصرم

وهو كبيت الشيخ صفي الدين أيضاً يخرج منه:

فلو ترى ما أقاسي ... هوى يهد الرواسي

[المذهب الكلامي]

والله لولا هداه ما اهتدى أحد ... لمذهب من كلام الله ذي الحكم

هذا النوع أول من ذكره الجاحظ, وهو عبارة عن أن يأتي البليغ بحجة على ما يدعيه على طريقة المتكلمين, وهي أن تكون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمدعى.

قال بعضهم: وإنما نسبت طريقة الاستدلال إلى المتكلمين والمتكفل ببيانها أهل الميزان, لكمال اجتهادهم في استعمال قواعد الاستدلال في المطالب الكلامية, حتى صاروا علما يضرب بهم المثل في البحث وإلزام الخصوم بأنواع الدليل.

<<  <   >  >>