للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فانك لو قلت: كأن المريخ منصرف بالليل عن دعوة, وكأن المشتري شمعة, لم يكن شيئا, إذ المقصود تشبيه الهيئة الحاصلة من المريخ حال كون المشتري أمامه بالهيئة الحاصلة من المنصرف عن الدعوة مسرجا الشمعة قدامه.

وإلى هذا أشار صاحب الكشاف حيث قال: أن العرب تأخذ شيئاً فرادى معزولا بعضها عن بعض وتشبهها بنظائرها, وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاءمت وتلاصقت, حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها. وهذا النوع يسميه أرباب البيان: تشبيه المركب بالمركب, وإنما أطلق عليه البديعيون: تشبيه شيئين بشيئين, باعتبار تعدد طرفيه.

حكي عن بشار أنه قال: ما زلت منذ سمعت قول امرئ القيس يصف العقاب:

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

لا يأخذني الهجوع حسدا له, إلى أن نظمت في وصف الحرب قولي:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وقد تقدم الكلام على هذا البيت في نوع التشبيهن ومرت لهذا النوع شواهد كثيرة هناك.

وبيت بديعية الصفي قوله:

تلاعبوا تحت ظل السمر من مرح ... كما تلاعبت الأشبال في الأجم

ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

شيئان تشبيه شيئين أتنبه لهما ... حلم وجهل هما كالبرء والسقم

الشيخ عز الدين جهل في هذا التشبيه جهلا لا يسعه حلم, فانه وقع في القصيدة من جملة المديح النبوي, وفيه الإيهام القبيح ما لا يخفى. نعوذ بالله من آفة الغفلة.

وبيت بديعية ابن حجة:

شيئان قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسم وعطا كالبرق في الديم

وبيت بديعية المقري قوله:

تراه في جيشه كالبدر في شهب ... بالبلق قد جال في الهيجاء بالدهم

وبيت بديعية السيوطي قوله:

شيئان قد أشبها شيئين منه على ... وجه وشعر كمثل البدر في الظلم

وبيت بديعية العلوي قوله:

فحوصه ولواه شافيان كما ... قدما شفى كفه والنفث من ألم

وبيت بديعية الطبري قوله:

تشبيه شيئين بالشيئين فيه هما ... النور والفيض مثل البدر والديم

وبيت بديعيتي قولي:

شيئان شبههما شيئان منه لنا ... نداه في المحل مثل البرء في السقم

[الكناية]

سامي الكناية مهزول الفصيل إذا ... ما جاءه الضيف أبدى بشر مبتسم

الكناية في اللغة: مصدر قولك: كنبت بكذا عن كذا, وكنوت: إذا تركت التصريح. وفي الاصطلاح: ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر لازمه المساوي, لينتقل الذهن منه إلى اللزوم المطوي ذكره, كما يقال: فلان طويل النجاد, أي طويل القامة, فترك التصريح بطول القامة إلى ذكر لازمه المساوي وهو طول النجاد, لينتقل الذهي منه إلى طول القامة. وقولهم: فلان كثير الرماد, كناية عن أنه كثير القرى, لأن القرى إذا كثر كثر الرماد, وهي أبلغ من التصريح أجماعا, لأنك إذا أثبت كثرة القرى مثلا بإثبات شاهدها ودليلها, وما هو علم على وجودها, فهو كالدعوى التي معها شاهد ودليل, وذلك أبلغ من إثباتها بنفسها وأن كان لا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم. ألا ترى أنك تقول: فلان طويل النجاد, وإن لم يكن له نجاد قط, ولكن تجد اطمئنان النفس حينئذ أكثر.

ومن أمثلتها في الشعر قول عمر بن أبي ربيعة:

بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ... أبوها وإما عبد شمس وهاشم

كني عن طول جيدها ببعد مهوى القرط.

وقول امرئ القيس:

ويضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

أي أنها مرفهة مخدومة, غير محتاجة إلى السعي بنفسها في أصلاح المهمات. وذلك أن وقت الضحى وقت سعي نساء العرب في أمر المعاش, وكفاية أسبابه, وتحصيل ما يحتاج أليه من تهيئة المتناولات وتدبير إصلاحها, فلا ينام فيه من نسائهم إلا من يكون لها خدم ينوبون عنها في السعي لذلك.

وإنها في بيتها متفضلة لا تشد نطاقها للخدمة.

وقول ليلى الأخيلية:

ومخرق عنه القميص تخاله ... بين البيوت من الحيا سقيما

كنت عن الجود بخرق القميص لجذب العفاة له عند ازدحامهم عليه لأخذ العطاء.

وقول الحضرمي:

قد كاد بعجب بعضهن براعتي ... حتى سمعن تنحنحي وسعالي

كنى عن كبر السن بالتنحنح والسعال.

وقول زهير:

<<  <   >  >>