للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا البيت مستوف لشروط حسن التخلص لفظا ومعنى مع التصريح بذكر حسن التخلص في أثناء الشطر الأول، فلا عبرة بقول ابن حجة: جل القصد أن يكون التصريح به في الشطر الثاني، إذ لا يظهر لهذا الشرط فائدة. نعم التصريح به في أول البيت كما فعل الموصلي لا يتأتى معه الانتقال من الكلام الأول إلى المدح في بيت واحد.

ومخلص بديعية الشيخ شرف الدين المقري قوله:

تزداد حسنا وتزهو كلما وضعت ... في جيد أوصاف خير الخلق كلهم

هذا البيت أيضاً غير صالح للتجريد، لتعلقه بما قبله، وهو بيت القسم وبيت الاستعارة وهما:

لا أسفرت لي وجوه المشكلات ولا ... حللت عقدة معنى غير منفهم

إن لم أصغ ناظما عقدا فرائده ... وسائط كلها من جوهر الكلم

تزداد حسنا وتزهو كلما وضعت ... في جيد أوصاف خير الخلق كلهم

وكل من هذه الأبيات غير صالح للتجريد

[الإطراد]

محمد أحمد الهادي البشير ابن ... عبد الله فخر نزار باطرادهم

الإطراد في اللغة، مصدر أطرد الشيء: إذا تبع بعضه بعضا وجرى والأنهار تطرد أي تجري، وفي الاصطلاح، هو أن يجيء الشاعر باسم الممدوح ولقبه وكنيته وصفته وأبيه وجده وقبيلته غالبا، أو ما أمكن من ذلك مطردا متواليا في بيت واحد، من غير تعسف ولا تكلف، ولا انقطاع بألفاظ أجنبية لأنه مشتق من إطراد الماء.

كقول أبي تمام:

عبد المليك بن صالح بن علي بن قسيم النبي في نسبه

وأحسن ما قيل من ذلك، قول بعض المتأخرين في الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي:

مؤيد الدين أبو جعفر ... محمد بن العلقمي الوزير

هكذا حده الشيخ صفي الدين الحلي، ومثل له في شرح بديعيته، وهو أعم من حد الجمهور له، بأنه عبارة عن الإتيان باسم الممدوح أو غيره وأسماء آبائه على ترتيب الولادة من غير تكلف في السبك، حتى تكون الأسماء في تحدرها كالماء الجاري في إطراده، وسهولة انسجامه.

كقول الشاعر:

أن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب

لكن قد تقدم أن الشيخ صفي الدين الحلي لخص بديعيته من سبعين كتابا في هذا الفن، اجتنى من ثمرات أوراقها ما شاء، فقوله عمدة في هذا الباب.

قال الشيخ بهاء الدين السبكي في عروس الأفراح: ومنهم من سمى الإطراد ذكر الأسماء مطلقا.

وكذلك صنع ابن رشيق في العمدة، فإنه جعل الإطراد في قول المتنبي:

وحمدان حمدون وحمدون حارث ... وحارث لقمان ولقمان راشد

انتهى. وأخذ الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى على المتنبي في هذا البيت فقال: لم نزل مستحسنين لجمع الأسامي في الشعر.

كقول دريد بن الصمة:

قتلنا بعبد الله خير لداته ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب

واحتذى هذا الفاضل على طرقهم فقال:

وأنت أبو الهيجا بن حمدان يا ابنه ... تشابه مولود كريم ووالد

وحمدان حمدون وحمدون حارث ... وحارث لقمان ولقمان راشد

وهذا من الحكمة التي ادخرها أرسطاليس وأفلاطون لهذا الخلف الصالح. انتهى.

وأجاب عنه ابن فورجة فقال: أما سبك البيت، فأحسن سبك، يريد أنت تشبه أباك، وأبوك كان يشبه أباه، وأبوه كان يشبه أباه، إلى آخر الآباء. فليت شعري ما الذي استقبحه؟ فإن استقبح قوله: وحمدان حمدون وحمدون حارث، فليس في حمدان ما يستقبح من حيث اللفظ والمعنى، بل كيف يصنع والرجل اسمه هذا، والذنب في ذلك للآباء لا للمتنبي.

وهذا على نحو ما قال أبو تمام:

عبد المليك بن صالح بن علي بن قسيم النبي في نسبه

والبحتري حيث يقول:

علي بن عيسى بن موسى بن طلحة ... بن سائب بن مالك حين ينطق

انتهى. وهذا من ابن فورجة دفع بالضد، وتجاف عن الحق، فإن الصاحب إنما استقبح من هذا البيت غلق تركيبه، وثقله على السمع، ونبو الطبع عن سماعه، كما يشهد به الذوق. وقوله: إن سبكه أحسن سبك ليس بصحيح، والطبع السليم أعدل حكم في ذلك. وأغرب من ذلك تشبيهه ببيتي أبي تمام والبحتري، وأين هو منهما؟ ولكن حبك الشيء يعمي ويصم كما أن عين السخط تبدي المساويا.

<<  <   >  >>