للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسادس عشر، وهو وقوع أحد اللفظين المذكورين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الثاني، مثاله قول التهامي:

طيف ألم فزاد في آلامي ... ألما ولم أعهده ذا إلمام

فالهمزة في (ألم) أصلية وفي (الإلمام) زائدة.

وقوله أيضاً:

تخمد الحرب حين تغمد بأسا ... وتسيل الدماء حين تسل

فالأول من السيلان، والثاني من السل.

فهذه جملة أمثلة الأقسام الستة عشر. وأرباب البديعيات بنوا أبياتهم على النوع الأول، وهو جعل أحد اللفظين المكررين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول. وقد وقع الاتفاق على أنه أفضل الأنواع، وعندي إذا كان اللفظان متجانسين كان أحسن.

فبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي:

فمي تحدث عن سري فما ظهرت ... سرائر القلب إلا من حديث فمي

وبيت بديعية ابن جابر الأندلسي قوله:

وحقهم ما نسينا عهد حبهم ... ولا طلبنا سواهم لا وحقهم

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله مع زيادة التورية:

فهم بصدر جمال عجز عاشقه ... عن وصله ظاهر من باحث فهم

هذا البيت يمكن أن يكون من نوع مكرر اللفظين، ومن نوع المتجانسين والتورية فيه ظاهرة.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

ألم أصرح بتصدير المديح لهم ... ألم أهدد ألم أصبر ألم ألم

إن فتحت الهمزة من لفظ (ألم) في عجز البيت كان من النوع الأول وإن ضمت كان من النوع الثالث عشر وهو ما كان اللفظان فيه ملحقين بالمتجانسين، يجمعهما شبه الاشتقاق، ولكن كثرة آلام هذا البيت لا يطيقها السمع.

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري تقدم إنشاده في نوع الاكتفاء فإنه جمع فيه بينه وبين هذا النوع فلا حاجة لنا بإعادته هنا.

وبيت بديعيتي هو قولي:

بهجرهم كم وكم فل الهوى أمما ... ورد عجزا على صدر بهجرهم

التورية باسم هذا النوع لم يتفق لأحد من أرباب البديعيات الذي التزموها كما اتفقت لي في هذا البيت. فإن العز الموصلي إنما ذكر العجز والصدر، ولم يذكر الرد الذي هو العمدة، وابن حجة فر إلى اسم التصدير وهذا الاسم كما علمت غير مطابق للمسمى، وكذا الشيخ عبد القادر الطبري تبع ابن حجة في التسمية بالتصدير.

وأما أنا فأتيت بالاسم الذي هو (رد العجز على الصدر) كما هو، ووريت عنه بمعنى لطيف غريب، وما ذاك إلا أن الجيش إذا فل رجع القهقرى، ولشدة زحامهم حينئذ يتساقطون، فتقع أعجاز بعضهم على صدور بعض. ولك أن تحمل العجز على معنى عدم المقدرة، والمعنى حينئذ ظاهر.

وبيت بديعية المقري قوله، مع زيادة التورية:

رم العزا من سوى قلبي فلي غرض ... رميت فيه وما غير العزاء رم (ي)

قال ناظمه: التورية في قولي (وما غير العزاء رم) فإنه يحتمل وجهين أحدهما (رم) بمعنى أطلب، فيكون رد العجز على الصدر، ويحتملا ن يريد (وما رمي شيء سوى العزا) .

[الاستثناء]

سلوت من بعدهم هيف القدود فلم ... استثن إلا غصونا شبهت بهم

الاستثناء هو المذكور في كتب النحو، وحده إخراج (بألا) أو إحدى أخواتها تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك، والمراد بالمخرج تحقيقا: المتصل، كقام القوم إلا زيدا، فزيد مخرج تحقيقا من القوم، لأنه داخل فيهم تحقيقا، وبالمخرج تقديرا: المنقطع، نحو (ما لهم به من علم إلا إتباع الظن) ، فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا فهو في تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر بذكر العلم لكثرة قيامه مقامه، فهو مخرج منه تقديرا، وبالمذكور التام كهذين المثالين، وبالمتروك المفرغ نحو: ما ضربت إلا زيدا.

إذا علمت ذلك فليس كل استثناء يعد من المحسنات البديعية، بل يشترط فيه اشتماله على معنى يزيد على معنى الاستثناء اللغوي، حتى يستحق به نظمه في سلك أنواع البديع كما قلناه في الاستدراك، وإلا لم يكن منه.

<<  <   >  >>