من يباريك يا منى النفس حسناً ... لا وعينيك لست ممن يبارا
رب ليل قصرته بلقاه ... وليالي الهنا تكون قصارا
رضته بالمدام حتى إذا ما ... تركته لا يستبد اختيارا
نلت ما شئت من هواه ولولا ... عفة الحب لارتكبت العارا
وقد اشتملت هذه القطعة على جملة من أنواع الجناس كما لا يخفى.
وبيت الشيخ صفي الدين في الجناسين المذكورين قوله:
من لي بكل غرير من ظبائهم ... عزيز حسن يداوي الكلم بالكلم
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
هل من تقي نقي حين صحف لي ... محرف القول زان الحكم بالحكمِ
وبيت ابن حجة قوله:
هل من يقي ويفي أن صحفوا عذلي ... وحرفوا وأتوا بالكلم في الكلم
وبيت الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
عزيز دمعي غزير منذ صحف من ... تحريفه زاد منه الحكم بالحكمِ
هذا البيت يجري فيه ما قاله ابن حجة في بيت عز الدين الموصلي: أما التصحيف والتحريف فيه فظاهر. وأما المعنى فالسريرة عند الله.
وبيت بديعيتي هو قولي:
كم عاذل عادل عنهم يصحف لي ... ما حرفته وشاة الظلم في الظلم
وبيت إسماعيل المقري قوله:
أكثرت يا شوق من سوق الهموم إلى ... قلب من الهم لا يخلو ولا الهمم
أما التصحيف في هذا البيت فظاهر، وأما التحريف فقال الناظم في شرحه: هو في (الهم) و (الهمم) . فإن الهم على وزن الكلم، لكنه أدغمت الميم في الميم لما تماثلتا فهما ميمان. انتهى.
قلت: هذا صحيح لو ساعده اصطلاح البديعين. ولكن ليس الأمر كما توهم. قال صاحب التلخيص: والحرف المشدد في هذا الباب في حكم المخفف. قال التفتازاني في شرحه: لما كان المشدد يرتفع اللسان عنه دفعة واحدة، كحرف واحد، عد حرفاً واحدا. انتهى. نعم يحسب المشدد بحرفين في اصطلاح الصرفيين والعروضيين. فاعلم ذلك.
[الجناس اللفظي والمقلوب]
ظنوا سلوي إذ ظنوا فما لفظوا ... بذكر أنس مضى للقلب في أضم
من أنواع الجناس: اللفظي والمقلوب. أما الجناس اللفظي فهو ما تماثل ركناه وتجانسا خطاً، وخلف أحدهما الآخر بإبدال حرف فيه مناسبة لفظية، كما يكتب بالضاد والظاء وشاهد من القرآن الكريم قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فالأولى من النضارة وهي النعمة والحسن. والثاني من النظر.
ومثله قوله الصفي الحلي في مطلع قصيدة نبوية:
كفى البدر حسناً أن يقال نظيرها ... فيزها ولكنا بذاك نضيرها
وحسب غصون البان أن قوامها ... يميس به ميادها ونضيرها
وقول بعض المغاربة:
عطف القضيب على النسيم تميلا ... والنهر موشى الخمائل والحلى
تركته أعطاف الغصون مظللا ... ولنا عن النهج القويم مضللا
وألحقوا بذلك ما يكتب بالهاء والتاء، أو بالتنوين والنون.
فالأول كقول البستي:
إذا جلست إلى قوم لتؤنسهم ... بما تحدث من ماض ومن آت
فلا تعيدن حديثاً أن طبعهم ... موكل بمعاداة المعادات
والثاني كقول الباخرزي:
أروح وفي الحلق مني شجى ... وأغدو وفي القلبي مني شجن
وقول الأرجاني:
وبيض الهند من وجدي هواز ... بإحدى البيض من عليا هوازن
وقول شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:
أحسن خلق الله وجهاً وفما ... إن لم يكن أحق بالحسن فمن
حكى الغزال مقلة ولفتة ... من ذا رآه مقبلاً ولا افتتن
وعارض الشيخ صفي الدين بيت الأرجاني بقصيدة أولها:
لسيري في الفلا والليل داج ... وكري في الوغى والنقع داجن
وحملي مرهف الحدين ظام ... لحامله وجود النصر ضامن
في هذا البيت شاهد على ما نحن فيه من جهتين. وبعده:
وهزي ذابلاً للخيل مارٍ ... يلين بهزه صدرا ومارن
وركضي أدهم الجلباب صاف ... خفيف الجري يوم السلم صافن
وخطوي تحت راية ليث غاب ... بسطوته لصرف الدهر غابن
شديد البأس ذي أمر مطاع ... مضارب كل قوم أو مطاعن
أحب إلي من تغريد شاد ... وكأس مدامة من كف شادن
إلى آخر القصيدة. وعارض بيتي التلمساني بقصيدة أولها:
كم قد أفضنا من دموع ودما ... على رسوم للديار ودمن
وكم قضينا للبكاء منسكاً ... لما تذكرنا بهن من سكن