وكان في حضرته بعض أصحابه يقرأ القرآن فوصل إلى قوله تعالى: (كأنهم حمر مستنفرة) فلم يجسر على ذكر قسورة، فقال: فرت من الشيخ أطال الله بقاه.
لطيفة: من التصاحيف المستحسنة ما ذكره صاحب المحاضرات: إن حما الراوية، كان لا يحسن القرآن، فقيل له لو قرأت القرآن فأخذ المصحف، ولم يزل إلا في أربعة مواضع كلها مناسبة للمعنى (قال عذابي أصيب به من أساء) فصحف الياء المثناة من تحت بالباء الموحدة. (ج) (ومن الشجر ومما يغرسون) فصحف العين المهملة بالمعجمة والشين المعجمة بالمهملة. (د) (بل الذين كفروا في غرة وشقاق) فصحف العين المهملة بالمعجمة والزاي بالراء المهملة. وقد ذكرت جملة مقنعة من مستحسنات التصحيف في الرسالة التي ألفتها في المعمى، فمن أرد ذلك فعليه بها.
والجناس المحرف: - هو ما تماثل ركناه في الحرف، وتغايراً في الحركات، سواء كانا من اسمين أو فعلين، أو اسم وفعل وغير ذلك، كقوله تعالى: (ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) .
وقوله) صلى الله عليه وآله وسلم (: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي.
وقول الأهوازي: أعيا الناس من أطال الخطبة وأساء الخطبة.
وقولهم رطب الرطب، ضرب من الضرب.
وقول أبي تمام:
هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حمام
وقول أبي العلاء المعري:
لغير زكاة من جمال فإن تكن ... زكاة جمالٍ فاذكري ابن سبيل
وقوله:
والحسن يظهر في شيئين رونقه ... بيتٍ من الشعر أو بيت من الشَعر
وقول الآخر:
قلب وقُلب في يدي ... ك معذب ومنعم
ظمآن يطلب قطرة ... تشفي صداه وتفعم
وقول ابن جابر الأندلسي: حل عقد الصبر مني عقدها=إذ سبت قلبي بما في قلبها وقول الآخر، وفي البيت الأول شاهد للمصحف أيضاً:
لا ترم من مماذق الود خيرا ... فبعيد من السراب الشراب
رونق كالحباب يعلو على الما ... ء ولكن تحت الحباب الحباب
عذبت في النفاق السنة القو ... م وفي الألسن العذاب العذاب
وزعم بعضهم أن منه قول ابن عبدون:
الشعر خطة خسف ... لكل طالب عرف
للشيخ عيبة عيب ... وللفتى ظِرف ظَرف
وليس كذلك بل هو من الجناس التام، فإن الظرف على وزه فلس بمعنى الوعاء، وبمعنى الكياسة معاً، وما اشتهر من أن الظرف بمعنى الكياسة بالضم فغلط.
ومنه قول الآخر:
ظننت به الجميل فجبت أرضاً ... إليه كهنتي طولا وعرضا
فلما جئته ألفيت شخصاً ... حمى عرضاً له وأباح عرضا
وقول أبي القاسم السلمي:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ... بالطوُّل والطَّول يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت ... بالطَّول ليلى وإن جادت به بخلا
وقول المطراني:
أخو الهوى يستطيل الليل من سهر ... والليل من طوله جار على قدر
ليل الهوى سنة في الهجر مدته ... لكنه سِنة في الوصل من قصرِ
وقول أبي بكر الخوارزمي:
يا شادنا مت قبله ... قد صار في الحسنِ قبلَه.
أمنن علي بقُلبه
ومثله قول الشيخ عبد الرحمن المشردي:
من كان صاحب قدر ... أو كان صاحب قدره
فليتخذ من نضار ... لطابة الأنس قدره
فالشيء يزداد ظرفاً ... إن ناسب الشيء قدره
وقولي في مطلع قصيدة:
اسقياني على اقتراح العذارى ... واعذرني فقد خلعت العذارا
وقلت بعده:
شمس راح من كفَ خود رداح ... شخصت فيهما العيون حيارى
أشرقت في الكؤوس نوراً وقدما ... عبدتها المجوس في الدن ونارا
اجلواها والدهر طلق المحيا ... والقماري تنادم الأقمارا
في عذارى كأنهن رياض ... ورياض كأنهن عذارى
لا تلوما فما التصابي بعار ... قبل يسترجع الصبا ما أعارا
ودعاني مجاهراً في غرامي ... إن داعي الهوى دعاني جهارا
أمعيراً الظبي شبا وغرارا ... لحظه والظبا رنا وأحورارا
ما لقلبي يزيد فيك غراماً ... كلما زدت عن هواه نفارا
أي قلبي مما هام فيك ولكن ... زاد قلبي بحبك استهتارا
خاطرت في هواك مهجة صب ... هويت منك ذابلاً خطارا