للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير ما أن أكون نلت نوالا ... من نداها عفوا ولا مهنيا

فيجوز أن يكون العفو مهنيا وبالعكس.

وقول البحتري:

قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا ... أو مغيثا أو عاذرا أو عذولا

قال ابن الأثير في المثل السائر: وهذا من فساد التقسيم, فإن المشوق يكون حزينا, والمسعد يكون مغيثا, وكذلك قد يكون المسعد عاذرا.

أو بترك بعض الأقسام كقول جرير:

صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها

وقال بواب المأمون يوما للوقوف على الباب: كم تقفون على الباب؟ اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تقفوا ناحية الباب, وإما أن تجلسوا في المسجد, ثم سكت, فقالوا: فالخصلة الثالثة؟ فلم يحسن أن يثلث, فقال: جئتمونا بكلام الزنادقة؟. فحدث به المأمون فضحك وأمر له بألف درهم, وقال: لولا أنها نادرة جهل لاستحق بها أكثر.

وبيت بديعية الصفي قوله:

أفنى جيوش العدى غزوا فلست ترى ... سوى قتيل ومأسور ومنهزم

وبيت بديعية ابن جابر قوله:

عيثان أما الذي من فيض أنمله ... فدائم والذي للمزن لم يدم

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

تقسيمه الدهر يوما أمسه كغد ... في الحلم والجود والأيفاء للذمم

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

هداه تقسيمه حالي به صلحت ... حيا وميتا ومبعوثا مع الأمم

رأيت في شرح بديعية ابن حجة مكتوبا على الهامش بإزاء هذا البيت ما نصه: شكر الله فضل أبي تمام, وجزاه عن المصنف خيرا. انتهى. يشير إلى أن التقسيم فيه مأخوذ من بيت أبي تمام المقدم ذكره, وهو:

صلى لها حيا وكان وقودها ... ميتا ويدخلها مع الفجار

وبيت بديعية المقري قوله:

في الله أعطى وهل أبقت يد سمحت ... بالنفس والمال والأهلين والحشم

هذا البيت فيه فساد التقسيم, فإن الأهل يدخلون في الحشم. قال في القاموس: حشم الرجل: خاصته الذين يغضبون له من أهل, وعبيد, وجيرة, وهو عيالة والقرابة أيضاً. انتهى.

وبيت بديعية السيوطي قوله:

تقسيمه الخزي في الكفار يوم وغى ... قتلا وسبيا وتشريدا لمنهزم

وبيت بديعية العلوي قوله:

مرآه كالبرق ترجوه وترهبه ... والقبض في كفه والبسط للاضم

وبيت بديعية الطبري قوله:

تقسيم آياته كالضب كلمه ... والجذع حن ونبع الما لريهم

قال الشيخ صفي الدين في شرح بديعيته: اشترط البديعيون في التقسيم أن يستوفي أقسام القسمة, فلا يغادر منها قسما. انتهى. وعلى هذا فبيت الطبري خارج عن شرط البديعيين, لأنه لم يستوف أقسام الآيات.

وبيت بديعيتي قولي:

إن مد كفا لتقسيم النوال فهم ... ما بين معطى ومستجد ومستلم

هذه الأقسام الثلاثة لا رابع لها, لأن العفاة عند مد الكف للعطاء, إما معطى, أو سائل, أو مستلم. لا يقال: قد يكون كل من هذه الأقسام داخلا في الآخر, لانا نقول: المراد في تلك الحالة الراهنة, فلا تداخل, والله أعلم.

[الإشارة]

درى إشارة من وافاه مجتديا ... فجاد ما جاد مرتاحا بلا سأم

هذا النوع من مستخرجات قدامة. وهو عبارة عن أن يشير المتكلم إلى معان كثيرة بكلام قليل يشبه الإشارة باليد. فإن المشير بيده يشير دفعة واحدة إلى أشياء لو عبر عنها لاحتاج إلى ألفاظ كثيرة.

ومن شواهدها في الكتاب العزيز قوله تعالى "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين". قال بعضهم: جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه. وقوله تعالى "أخرج منها ماءها ومرعيها" دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض, قوتا ومتاعا للأنام, من العشب والشجر والحب والثمر, والعصف والحطب واللباس, والنار والملح. لأن النار من العيدان, والملح من الماء. وقوله تعالى "فأصدع بما تؤمر". قال ابن أبي الأصبع: المعنى: صرح بجميع ما أوحي إليك, وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت كالزجاجة.

والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب, فيظهر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط, ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة. فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم أيجازها, وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة.

<<  <   >  >>