للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا النوع -ويسمى الاشتراك أيضاً- عبارة عن أن يأتي الشاعر بلفظة مشتركة بين معنيين اشتراكا أصليا وعرفيا, فيسبق ذهن السامع إلى المعنى الذي لم يقصده الشاعر, فيأتي بما يبين قصده.

كقول كثير عزة:

فأنت التي حببت كل قصيرة ... إلي ولم تعلم بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطى شر النساء البحاتر

فان قوله في البيت الأول: قصيرة, مشترك بين قصيرة القامة, وبين المقصورة بمعنى المحبوسة, ومنه قوله تعالى "حور مقصورات في الخيام" وهو المعنى الذي قصده, فلولا بيانه بقوله في البيت الثاني: عنيت قصيرات الحجال, أي المقصورات في الحجال, لتوهم السامع أنه أراد القصار بالمعنى الأول. والبحاتر جمع بحترة, وهي القصيرة المجتمعة الخلق. والفرق بين هذا النوع وبين التوهيم, أن هذا النوع يكون باللفظة المشتركة فقط, والتوهيم يكون بها وبغيرها, كتصحيف أو تحريف, أو تبديل, أو سبق الذهن لغير المطلوب. والفرق بينه وبين الإيضاح, إن الإيضاح في المعاني لا الألفاظ وهذا بالعكس.

وبيت بديعية الصفي قوله:

شيب المفارق يروي الضرب من دمهم ... ذوائب البيض بيض الهند لا اللمم

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

وللغزالة تسليم به اشتركت ... مع التي هي ترعى نرجس الظلم

هذا البيت غير منطبق على حد هذا النوع كما لا يخفى, وقد أطال الكلام عليه ابن حجة بما لا طائل تحته.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

بالحجر ساد فلا ند يشاركه ... حجر الكتاب المبين الواضح اللقم

وبيت بديعية المقري قوله:

كم سد بالفتح من ثغر وأضحكه ... فتح المدائن أعني لا ثغورهم

وبيت بديعية السيوطي قوله:

والصهر من شارك الصديق في قدم ... في سبق الإسلام لا في الفضل من قدم

وبيت بديعية العلوي قوله:

صدر المجلس يخشى الصدر سطوته ... صدر الكتائب ماضي السيف والقلم

وبيت بديعية الطبري قوله:

له الوسيلة أعني في الجنان بما ... قد خص نفيا لإبهام اشتراكهم

قال في شرحه: الاشتراك في الوسيلة, لأنها اسم لما يتوسل به, واسم لأعلى درجة في الجنة مخصوصة بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

وبيت بديعيتي قولي:

جلت معاليه قدرا عن مشاركة ... وهو الزعيم زعيم القادة البهم

الاشتراك فيه في لفظة (زعيم) فإنها مشتركة بين معنيين, أحدهما بمعنى الكفيل, ومنه قوله [تعالى] "ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم" أي كفيل, والثاني بمعنى سيد القوم ورئيسهم وهو المعنى المقصود الذي بينه بقوله: زعيم القادة البهم, لئلا يسبق ذهن السامع إلى أنه أراد المعنى الأول. والقادة جمع قائد وهو أمير الجيش الذي يقوده, والبهم جمع بهمة بالضم, وهو الشجاع الذي لا يدري من أين يؤتى لشدة بأسه, والله أعلم.

[التوليد]

للواصفين علاه كل آونة ... توليد معنى به الألفاظ لم تقم

التوليد في اللغة: مصدر ولدت القابلة المرأة, إذا تولت ولادتها, وولدت الشيء عن غيره: أنشأته عنه, وهو المنقول عنه إلى الاصطلاح. وفي الاصطلاح على ضربين: أحدهما لفظي, وهو التوليد من الألفاظ ولا يعد من المحاسن, بل هو إلى السرقة أقرب, لأنه عبارة عن أن يستحسن الشاعر ألفاظا من شعر غيره فيسلبها منه, ويضمنها معنى غير معناها الأول, ويوردها في شعره.

كقول امرئ القيس في وصف الفرس:

وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قبد الأوابد هيكل

فاستحسن أبو تمام استعارته في قوله: قيد الأوابد, فنقله إلى الغزل فقال:

لها منظر قيد النواظر لم يزل ... يروح ويغدو في خفارته الحب

والأوابد في بيت امرئ القيس: الوحوش, من أبدت: إذا نفرت من الأنس, وجعل الفرس قيدها, لأنه يدركها ويمنعها المضي والخلاص من الطالب, كما يمنعها القيد.

الثاني معنوي, وهو التوليد من المعاني, وهذا يعد من المحاسن, وهو الغرض هنا, وذلك بأن ينظر الشاعر إلى معنى لمتقدم ويكون محتاجا إلى استعماله, لكونه آخذا في ذلك الغرض فيورده ويزيد فيه.

كقول القطامي:

قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل

أخذه السالم الشاعر ونقص في الألفاظ وزاده تذييلا وتمثيلا وتأكيدا فقال:

<<  <   >  >>