للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنبيه - قال الحافظ السيوطي في الإتقان: قد يكون الإجمال في النشر لا في اللف، بأن يؤتى بمتعدد، ثم يلفظ يشتمل على متعدد يصلح لها كقوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) على قول أبي عبيدة: إن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل. انتهى. فعلى هذا يكون ذكر المتعدد إجمالاً قسمين، أحدهما ما كان فيه الإجمال في اللف والثاني ما كأن فيه الإجمال في النشر، وإذا ثبت ذلك كانت الفذلكة أيضاً من القسم الإجمالي الذي وقع فيه الإجمال في النشر، لأنها عكس ما تقدم من الأمثلة لذكر المتعدد إجمالاً في اللف فأعلم.

وأرباب البديعيات لم ينظموا إلا اللف والنشر المرتب، لأنه هو أشهر أقسامه وأعلاها رتبة عند علماء البديع.

وبيت الشيخ صفي الدين قوله:

وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي ... منهم إليهم عليهم فيهم بهمِ

هذا البيت غاية في بابه لما اشتمل عليه من السهولة والرقة وعدم الحشو.

وابن جابر لم ينظم هذا النوع إلا في بيتين مع عقادة التركيب وهما:

حيث الذي إن بدا في قومه وحبا ... عفاته ورمى الأعداء بالنقمِ

والبدر في شبهه والغيث جاد الذي ... محل وليث الشرى قد جال في الغنم

وبيت عز الدين الموصلي قوله:

نشر ويسر وبشر من شذا وندى ... وأوجه فتعرف طي نشرهمِ

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

فالطي والنشر والتغيير مع قصر ... للظهر والعظم والأحوال والهممِ

لا يخفى ما في هذا البيت من الثقل الذي يخف عنده رضوى، ومعناه من الركاكة في الغاية القصوى، ولا أعظم من نشر العظم في هذا النظم، فإن الأسماع لا تسيغه، والعز الموصلي وإن لم يكن لقوله: فتعرف طي نشرهم نص في اللف، بل هو فضلة أتى به لتسمية النوع، لكنه على كل حال أخف على السمع من هذا البيت لفظاً ومعنى، وأحسن منه تشييداً ومبنى.

وبيت الطبري قوله:

لفي ونشري اعتمادي لوعتي ولهي ... فيهم إليهم عليهم منهم بهمِ

وبيت بديعيتي هو قولي:

لفي ونشري انتهائي مبدئي شغفي ... معهم لديهم إليه منهم بهمِ

في هذين البيتين وهما فرساً رهان في هذا الميدان، رد على ابن حجة حيث قال: لو التزم الشيخ صفي الدين إن يسمى هذا النوع لتجافت عليه تلك الرقة، وهذان مع التزام التسمية ملكاً من حسن الانسجام والسهولة رقه، فلو أدركهما ابن حجة لقامت عليه الحجة.

وبيت المقري قوله:

سقمي دموعي نحولي خمرتي معه ... في اللحظ والعقد والأحشا وريق فمِ

[الالتفاف]

ما أسعد الظبي لو يحيك لحاظهم ... أو كنت يا ظبي تعزى لالتفاتهمِ

الالتفات - مأخوذي من التفات الإنسان من يمينه إلى شماله، ومن شماله إلى يمينه، وهو عند الجمهور: التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة، أعني: التكلم والخطاب والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.

وقال السكاكي: هو أما ذلك أو أن يكون مقتضى الظاهر التعبير عنه بطريق منها، فعدل إلى الآخر. فهو عنده أعم، فكل التفات عند الجمهور التفات عنده من غير عكس.

فقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخلي ولم ترقدِ

وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني ... وخبرني عن أبي الأسود

فيه عند السكالي ثلاث التفاتات، أحدهما في (ليلك) ، لأنه خطاب ومقتضى الظاهر (ليلي) بالتكلم، والثاني في (باتَ) لأنه غيبة ومقتضى الظاهر (بت) بالتكلم أيضاً، والثالث في (جاءني) لأنه تكلم ومقتضى الظاهر (جاءك) بالخطاب. وعند الجمهور فيه التفاتان وهما الثاني والثالث وأما الأول فليس عندهم بالتفاف، لأنه لم يقع بعد التعبير عنه بطريق آخر من الطرق الثلاثة بخلاف الآخرين.

<<  <   >  >>