تنازع فيك الشبه بحر وديمة ... ولست إلى ما يزعمان بمائل
إذا قيل بحر فهو ملح مكدر ... وأنت نمير الجود عذب الشمائل
ولست بغيث فوك للدر معدن ... ولم تلف دار في الغيوث الهواطل
ومنه قول السيد علي بن محمد الحماني في الغزل: وجه هو البدر إلا أن بينهما=فضلا تحير عن حافاته النور
في وجه ذاك أخاليط مسودة ... وفي مضاحك هذا الدر منثور
وقول بعضهم:
يا غيوث السماء دمعك يفنى ... عن قليل وما لدمعي فناء
أنا أبكي طوعا وتبكين كرها ... ودموعي دم ودمعك ماء
وقول مهيار الديلمي:
أبكي وتبكي غير أن الأسى ... دموعه غير دموع الدلال
أخذه السيد أحمد الصفوي الدمشقي فقال:
صه يا حمام فلست المشوق ... ولا بات فيها كحالي
فما من تباكي كما من بكى ... ودمع الأسى غير دمع الدلال
والشعر في هذا المعنى يضيف عن الإحاطة به نطاق الحصر, وفي هذا النموذج كفاية.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي في هذا النوع قوله:
فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم
هذا من بيت ابن اللبانة المقدم ذكره وهو:
لنا ديمتا ماء ومال فديمتي ... تماسك أحيانا وديمته سكب
وبيت بديعية ابن جابر الأندلسي:
لا يستوي الغيث مع كفيه نائل ذا ... ماء ونائله مال فلا تهم
ثقل تركيب هذا البيت, وتعقيد ألفاظه, وتداعي قافيته, ظاهرة مع سهولة نظم هذا النوع وخفة محمله.
على أنه مأخوذ من قول الأول:
فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء
وبيت بديعية عز الدين الموصلي قوله:
قالوا هو البحر والتفريق بينهما ... إذ ذاك غم وهذا فارج الغمم
قال ابن حجة: ليس في بديعية الموصلي بيت يناظر هذا البيت في علو طباقه, فإنه مشتمل على التورية باسم النوع, ولطف الانسجام والسهولة.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم
أغار ابن حجة على صدر بيت عز الدين الموصلي أغارة قبيحة, لا يرضى بها من له في الأدب خطوة فسيحة, على أنه مأخوذ من قول الأول:
حسبت جماله بدرا منيرا ... وأين البدر من ذاك الجمال
وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
فاق النبيين والتفريق يظهر من ... دوام معجزة للغير لم تدم
لنظر الأديب في هذا البيت مجال يستغني عن المقال.
وبيت بديعيتي هو قولي:
قاسوه بالبحر والتفريق متضح ... أين الأجاج من المستعذب الشبم
التفريق في هذا البيت من جهتين: إحداهما أن البحر ملح, وهو مستعذب. والثانية أن البحر حار وهو بارد. والتفريق في أبيات البديعيات المذكورة كلها من جهة واحدة.
ولست أدعي في هذا البيت الاختراع بل هو من قول ابن اللبانة المقدم:
سألت أخاه البحر عنه فقال لي ... شقيقي إلا أنه البارد العذب
ولكن في بيتي تلميح إلى قوله تعالى (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج) .
وبيت بديعية إسماعيل المقري قوله:
أين السحاب وأين البحر منه ندى ... البحر ملح وجود السحب لم يدم
هذا البيت فيه تفريقان كلاهما مأخوذ مما تقدم.
[التلميح]
تلميحه كم شفى في الخلق من علل ... وما لعيسى يد فيها فلا تهم
التلميح - قال العلامة التفتازاني في شرح التلخيص: صح بتقديم اللام على الميم, من لمحه, إذا أبصره ونظر إليه. وكثيرا ما تسمعهم يقولون في تفسير الأبيات: في هذا البيت تلميح إلى قول فلان, وقد لمح هذا البيت فلان إلى غير ذلك من العبارات.
وأما التلميح - بتقديم الميم - فهو مصدر ملح الشاعر: إذا أتى بشيء مليح, وهو ههنا خطأ محض, نشأ من قبل الشارح العلامة, حيث سوى بين التمليح والتلميح, وفسرهما: بأن يشار إلى قصة أو شعر. ثم صار الغلط مستمرا, وأخذ مذهبا لعدم التمييز. انتهى.
فلا عبرة بقول ابن حجة: وسماه قوم التمليح - بتقديم الميم - كأن الناظم أتى في بيته بنكتة زادته ملاحة.