للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه بقوله: يا جنتي تتميما لإقامة الوزن، وأفاد به مع ذلك الطباق الذي هو نوع من محاسن البديع.

قال الصفدي: ولو قال: يا مالكي لكان تورية، ولكن جنتي ألطف في اللفظ وأغزل.

ومنه قول الشيخ جمال الدين بن نباتة:

لو ذقت برد ثناياه ومبسمه ... يا حار ما لمت أعطافي التي ثملت

فقوله: يا حار، حشو يتم المعنى بدونه، ولكن أفاد إقامة الوزن والتورية (في حار، فإنه ورى به، أنه منادى) اسم حارث مرخم، وهو يريد الحار الذي هو مرادف السخن، بدليل قوله: برد ثناياه، وهذا مع ما فيه من النظر في حار في غاية الحسن.

ولما أنشد الشيخ جمال الدين هذا البيت شرف الدين حسين بن القاضي جمال الدين سليمان بن ريان قال له: لو قلت: يا صاح بدل يا حار لتمت التورية أيضاً، فإنه يخدم معك في المعنيين، لأن صاح ترخيم (صاحب، وصاح) اسم فاعل من الصحو، وترشحه (للتورية - ثملت - وهذا في غاية الذوق) اللطيف وقد أورد (كثير من الناس) في هذا الباب.

قول كثير:

لو أن عزة حاكمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها

قال الصفدي: وهذا ليس من الحشو في شيء، لأن من شرط ذلك أن يكون المعنى تاما بدونه، ولا تمام لهذا المعنى بدون موفق، لأنه لا بدّ أن يقول: عند حاكم، أما كونه موفقا أو غير موفق فهذا من متممات البلاغة إذ قوله موفقا: مبالغة لاحتمال أن يظن بالحاكم أنه يميل في حكمه لأمر ما، فإذا كان موفقا فلا. انتهى. وعلى هذا فيكون من التتميم والمعنى.

واعلم أن في شرح بديعية ابن حجة والكلام على هذا النوع (خللا لا بأس بالتعقيب عليه، وأنه تعدى) حد التتميم بقوله: هو (عبارة) عن الإتيان في النظم والنثر بكلمة إذا طرحت من الكلام نقص حسنه ومعناه. قال: وهو على ضربين، ضرب في المعاني، وضرب في الألفاظ، فالذي في المعاني هو تتميم المعنى، والذي في الألفاظ هو تتميم الوزن. ثم قال بعد إيراد أمثلة التتميم في المعاني: وأما التتميم الذي جاء في الألفاظ فهو الذي يؤتى به لإقامة الوزن، بحيث أنه لو طرحت الكلمة استقل المعنى بدونها. فجعل التتميم الذي ينقص بطرحه المعنى مقسما للتتميم المعنوي واللفظي الذي يستقل بدونه المعنى، وهو تهافت ظاهر وغلط واضح. والحاصل: أنه جعل القسيم قسما، فإن الحد الذي ذكره للتتميم إنما هو للتتميم المعنوي، واللفظي قسيم له، لا قسم منه.

واعلم أن قوما مزجوا نوع التتميم بنوع التكميل وهو خطأ، فإن بينهما فرقا ظاهرا وسنبينه هناك مع مشيئة الله سبحانه.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

وكم نظمت طريفي والتليد لكم ... طوعا وأرضيت عنكم كل مختصم

التتميم في قوله: طوعا، فإنه أفاد به أنه لم يبدل ذلك كرها.

ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

والبدر مذ لاح في التتميم دان له ... والشمس مذعنة طوعا لمحتكم

فالتتميم في قوله: في التتميم، مع زيادة التورية في التشبيه، وقوله: طوعا تتميم ثان.

وبيت بديعية ابن حجة:

بكل بدر بليل الشعر يحسده ... بدر السماء على التتميم في الظلم

فقوله: بليل الشعر هو التتميم، وقوله: على التتميم، تتميم ثان، لكن سبقه الشيخ عز الدين في بيته على التورية، وقوله: في الظلم، تتميم ثالث.

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:

تدرعوا الحسن تتميما وكم منحوا ... مآثراً أثمرت حمدا لمجدهم

التتميم في قوله: تتميما، ولكن ليس له ذاك الموقع في ألفاظ البيت، ويمكن أن يكون قوله (لمجدهم) تتميما ثانيا.

وبيت بديعيتي هو قولي:

أنا الذي جئت تتميما لمدحهم ... نظما بقول يباهي الدر في القيم

فقولي: تتميما، هو التتميم بعينه، وقولي: نظما، تتميم ثان، وقلي: في القيم، تتميم ثالث.

وبيت بديعية الشيخ شرف الدين المقري قوله:

بالوصل بعت دمي راض مناجمة ... يا بدر قد حل نجم المشتري لدمي

قال في شرحه: التتميم فيه قوله: راض. انتهى. وكان الواجب نصب راض على الحال: لكنه رفعه لضرورة الوزن، أو لضرب من التأويل بعيد_

[الهجو في معرض المدح]

هجوت في معرض المدح الحسود لهم ... فقلت أنك ذو صبر على السدم

<<  <   >  >>