للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فان قلت: إن وقعة أحد لم ينتصر فيها المسلمون, بل انكسر فيها عسكر الإسلام, فكيف قلت: وفي أحد لم يبق من أحد؟ قلت: قال الواقدي: قالوا: ما ظفر الله نبيه في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد, حتى عصوا الرسول, وتنازعوا الأمر. لقد قتل أصحاب لواء المشركين, وانكشف المشركون لا يلوون, ونساؤهم يدعون بالويل والثبور, بعد ضرب الدفاف والفرح. وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا قال كل واحد: إني لأنظر إلى هند وصواحبها ينهزمن ما دون أخذهن شيئا لمن أراده, ولكن لا مرد لقضاء الله. والواقعة مشهورة مسطورة في كتب السير, والله أعلم.

[السلب والإيجاب]

لا يسلب القرن إيجابا لرفعته ... ويسلب النقص من أفضاله العمم

هذا النوع, زعم ابن أبي الأصبع انه من مستخرجاته, وهو موجود في كتب القدماء الذين نقل عنهم ككتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري, وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجي, وبديع شرف الدين التيفاشي, وذكره عز الدين الزنجاني في معيار النظار.

قال العسكري: هو أن يتبنى الكلام على نفي الشيء من جهة, وإثباته من جهة أخرى, أو الأمر به من جهة, والنهي من جهة أخرى, وما أشبه ذلك, كقوله تعالى "فلا تخشوا الناس واخشون".

ومن النظم قول امرئ القيس:

هضيم الحشا لا يملأ الكف خصرها ... وتملأ منها كل حجل ودملج

وقول الحماسي:

لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن

وقوله:

وننكر أن شيئاً على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حيث نقول

وقال ابن أبي الاصبع في تقرير هذا النوع: هو أن يقصد المادح أفراد ممدوح بصفة لا يشركه فيها غيره, فينفيها في أول كلامه عن جميع الناس, ويثبتها لممدوحه بعد ذلك.

كقول الخنساء:

وما بلغت كف امرئ متناول ... من المجد إلا والذي نلت أطول

ولا بلغ المهدون للناس مدحة ... وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل

وهذا التقرير داخل في حد العسكري لهذا النوع.

ومن أمثلته قول الآخر:

خلقوا وما خلقوا لمكرمة ... فكأنهم خلقوا وما خلقوا

رزقوا وما رزقوا سماح يد ... فكأنهم رزقوا وما رزقوا

وقول ابن عياش الأندلسي:

ولله سيف ليس يكهم حده ... على أنه إن لم تقلده يكهم

وبيت بديعية الصفي قوله:

أغر لا يمنع الراجين ما طلبوا ... ويمنع الجار من ضيم ومن حرم

ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع.

وأما الشيخ عز الدين الموصلي, فرأيت ابن حجة أورد له في هذا النوع بيت نفي الشيء بإيجابه بعينه, وهو:

لم ينف ذما بإيجاب المديح فتى ... إلا وعاقدت فيه الدهر بالسلم

وقد مر الكلام على هذا البيت في النوع المذكور, وأسلفنا أنه ليس فيه معنى غير لفظتي النفي والإيجاب. وإما كونه يصلح شاهدا لهذا النوع -أعني السلب والإيجاب- كما تقتضيه إعادته في هذا النوع, فمنعه أظهر.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

إيجابه بالعطايا ليس يسلبه ... ويسلب المن منه سلب مخترم

وبيت بديعية المقري قوله:

ما مل حرب أعادي الله صارمه ... ومل أحشاءهم في كل مضطرم

قال في شرحه: الإيجاب فيه بلفظة مشتركة حملها لمعنى آخر, فإن قوله (ما مل حرب أعادي الله) من الملالة, وقوله (ومل أحشاءهم) يعني, أحرقها بالنار, ولا يخفى أنه خرج بهذا الحمل عما نحن فيه.

ولم ينظم السيوطي, ولا الطبري هذا النوع.

وبيت بديعية العلوي قوله:

ولا يمن ولو أعطى الوجود فتى ... لكن يمن على الأسرى بفكهم

وبيت بديعيتي قولي:

لم يسلب القرن إيجابا لرفعته ... ويسلب النقص من أفضاله العمم

[المشاكلة]

يجزي العداة بعدوان مشاكلة ... والفضل بالفضل ضعفا في جزائهم

المشاكلة في اللغة: المشابهة والموافقة, وفي الاصطلاح: ذكر الشيء بلفظ غيره, لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا.

فالأول: كقوله تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فإن الثانية لكونها حقة لا تكون سيئة, لكن لوقوعها في صحبة الأولى عبر عنها بالسيئة. وقوله تعالى "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك" أي تعلم ما أخفيه من معلوماتك فلما عبر عن الأول بما في نفسي, عبر عن الثاني بما في نفسك مشاكلة, لأن الحق تعالى وتقدس لا يستعمل في حقه لفظة النفس.

وقول الشاعر:

<<  <   >  >>