فقوله (ولا عنها لمصطبر) من أحسن التكميل.
وبيت بديعية صفي الدين قوله:
نفس مؤيدة بالحق تعضدها ... عناية صدرت عن بارئ النسم
فقوله: تعضدها وما بعده تكميل.
وبيت عز الدين الموصلي قوله:
تمت محاسنه والله كمله ... فقدره في الورى في غاية العظم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
آدابه تممت لا نقص يدخلها ... والوجه تكميله في غاية العظم
وبيت بديعية الطبري قوله:
حاز المكارم تكميلا وفاز بما ... لم يؤت ذو شرف من خير مستلم
وبيت بديعيتي هو:
تكميل قدرته بالحلم متصف ... مع المهابة في بشر وفي أضم
فقولي (مع المهابة) تكميل. وقولي (في بشر وفي أضم) تكميل آخره. والأضم بالتحريك: الغضب.
وبيت بديعية المقري قوله:
نجب الرجال بحبل المصطفى اعتصموا ... من الشقاء ونالوا الفوز بالنعم
التكميل فيه قوله (ونالوا الفوز بالنعم) .
[شجاعة الفصاحة]
ساوت شجاعته فيهم فصاحته ... فردهم معجزا بالكلم والكلم
هذا النوع لم يذكره أحد من علماء البديع, ولا نظمه أحد من أصحاب البديعيات. وهو من مستخرجات الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني.
قال: هو عبارة عن حذف شيء من لوازم الكلام وثوقا بمعرفة السامع به.
قال الشريف الرضي في كتاب المجازات: كان شيخنا أبو الفتح يسمي هذا الجنس شجاعة الفصاحة, لأن الفصيح لا يكاد يستعمله إلا وفصاحته جريئة الجنان غزيرة المواد.
ومثاله قوله تعالى "حتى توارت بالحجاب" أي الشمس ولم يجر لها ذكر. وقوله "ولو دخلت عليهم من أقطارها" أي المدينة, ولم يجر لها ذكر. وقوله "إذا بلغت التراقي" أي الروح, ولم يجر فها ذكر. وقوله "إننا أنزلناه في ليلة القدر" أي القرآن, ولم يجر له ذكر. وقول نبيه عليه السلام وقد تذاكر الناس عنده الطاعون وانتشاره في الأمصار والأرياف (أرجو أن لا يطلع علينا نقابها) والنقاب جمع نقب, وهو الطريق في الجبل, يريد نقاب المدينة ولم يجر لها ذكر. لكنه أقام علم المخاطبين بها مقام تصريحه بذكرها.
وقول حاتم الطائي:
لعمرك يا يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
يريد النفس وقول العباس بن عبد المطلب يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
أي في ظلال الجنة. أراد أنه كان طيبا في صلب آدم عليه السلام. وقوله: من قبلها, أي من قبل الأرض, ومثل ذلك في كلامهم كثير.
وأكثر الأمثلة المذكورة عند علماء المعاني من وضع المضمر موضع المظهر, إما لاشتهاره ووضوح أمره, أو لأن الذهن لا يلتفت إلى غيره, أو لغير ذلك من الاعتبارات. وليس من الحذف في شيء كما لا يخفى, لكن أبن جني مثل لهذا النوع بالحديث السابق, فكأنه لاحظ أن المتكلم حذف من الكلام مرجع الضمير لعلم السامع به.
إذا عرفت ذلك فالشاهد في بيت البديعية في قوله (ردهم) يريد العرب الذين لم يؤمنوا به, ولم يجر لهم ذكر, لكنه أقام معرفة السامع مقام التصريح بذكرهم والله أعلم.
[التشبيه]
ماضيه كالبرق والتشبيه متضح ... ينهل في أثره ما لاح صوب دم
التشبيه ركن من أركان البلاغة. قال أبو العباس المبرد: لو قال قائل: هو أكثر كلام العرب لم يبعد. ولهم في تعريفه عبارات, فعرفه جماعة: بأنه الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى.
وقال الزنجاني: هو الدلالة على اشتراك شيئين في وصف, هو من أوصاف الشيء في نفسه, كالشجاعة في الأسد, والنور في الشمس. وقال الطيبي: هو وصف الشيء بمشاركة الآخر في معنى.
وقال ابن أبي الأصبع: هو إخراج الأغمض إلى الأظهر.
وقال بعضهم: هو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه.
وقال آخر: هو أن يثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن التشبيه مما اتفق العقلاء على شرف قدره, وفخامة أمره في فن البلاغة, وأنه إذا جاء في أعقاب المعاني أفادها جمالا, وزادها كمالا, وضاعف قواها في تحريك النفوس إلى المقصود بها على اختلاف فنونها, وإن أردت تحقيق ذلك, فانظر إلى.
قول البحتري:
دان على أيدي العفاة وشاسع ... عن كل ند في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضؤه ... للعصبة السارين جد قريب
وقول السري وفاء: