للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبدى العجائب فالأعمى بنفثته ... غدا بصيرا وفي الحرب البصير عمي

هذا البيت مع خفة هذا النوع لا يخلو من نوع ثقل وعقادة في التركيب.

وبيت ابن جابر أرشق منه حيث يقول:

فاتبع رجال السرى في البيد واسر له ... سرى الرجال ذوي الألباب والهمم

فالعكس في رجال السرى، وسرى الرجال يحكم الذوق السليم بخفته ورشاقته، وتعنت ابن حجة عليه - على جاري عادته - فقال: إن هذا البيت لم يخلص من العكس هنا، إذ ليس فيه نكتة تلم له مع البديع شملا. انتهى.

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

خير المقال مقال الخير فاصغ ودع ... عكس الصواب مع التبديل تستقم

اعترض ابن حجة على هذا البيت بكونه أجنبيا من مدح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال: وليس له أدنى تعلق ببيت المديح الذي قبله، والذي بعده، ثم قال: وغالب مديحه النبوي في هذه القصيدة على هذا النمط وأطال الكلام في ذلك بما يوقف عليه في شرحه.

قلت: وكأن الشيخ عز الدين إنما خاطب ابن حجة بهذا البيت.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

عين الكمال كمال العين رؤيته ... يا عكس طرف من الكفار عنه عمي

صدر هذا البيت كامل، وأما عجزه فتعجز الجبال الرواسي عن تحمل ثقله.

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:

رب الجمال جمال الرب بعثته ... يا عكس منكرها والنار في ضرم

حبس عنان القلم عن الكلام، أولى من إطلاقه في هذا المقام.

وبيت بديعيتي هو قولي:

عز الذليل ذليل العز مبغضه ... فاعجب لعكس أعاديه وذلهم

وبيت بديعية الشيخ شرف الدين المقري قوله:

أفدي ظباه فكم عظمن ذا صغر ... في الله قدرا وكم صغرن ذا عظم

[الترديد]

هو القسيم له أو في القسيم على ... نفي القسيم ولا ترديد في القسم

الترديد - عبارة عن أن يعلق المتكلم لفظة من كلامه بمعنى، ثم يرددها بعينها معلقة بمعنى آخر كقوله تعالى: (حتى نؤتى مثل (ما) أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته) فالجلالة الأولى مضاف إليها متعلقة بمعنى، والثانية مبتدأ بها متعلقة بمعنى آخر. ومثله قوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) فليلة القدر الأولى مبتدأ عند الجمهور خبره (ما) الاستفهامية، قدم للزومه الصدر، وبالعكس عند سيبويه، وهي متعلقة بمعنى التعظيم، وليلة القدر الثانية مبتدأ خبرها ما بعدها، وهي متعلقة بمعنى الإخبار عنها بكونها خيرا من ألف شهر.

ومثلوا له من الشعر بقول الحسن بن هاني وهو أبو نواس:

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء

فقوله: مسها، مسته: ترديد.

والأحسن، التمثيل له بقول محمد بن هاني المغربي:

وقد أهبط الغيث غض الجميم ... غض الأسرة غض الندى

يعني أن المطر لكثرة وقوعه هدل الروض وأنزله، والجميم بالجيم: النبت الكثير، أو الناهض المنتشر، والأسرة هنا مستعارة من قولهم: لمعت أسرة وجهه؛ وهي الخطوط التي تجتمع في الجبهة وتتكسر.

ومثله قوله أيضاً:

ويأبى لك الذم طيب النجار ... وطيب الخلال وطيب الشيم

وقوله من أخرى:

أقول وقد شق أعلى السحاب ... وأعلى الهضاب وأعلى الربى

إذا الودق في مثل هذا الرباب ... وذا البرق في مثل هذا السنا

وقول بدّر الدين بن مخزوم:

عزيز قوم عزيز الجار والشرف ... عبد العزيز غدا يلقاه خير وفي

وقول بعضهم في سوداء:

ومسكية النشر مسكية ال ... عذارين مسكية المنظر

تثنى وقامتها للقضيب ... وتنظر واللحظ للجؤذر

وأحسبها في خلال الحديث ... تنثر عقدا من الجوهر

فكل من هذه الألفاظ المرددة في هذه الأبيات تتعلق في كل موضع بمعنى غير الآخر، والفرق بين هذا النوع وبين التكرار: أن اللفظة التي تتكرر ولا تفيد معنى زائدا غير معنى الأولى هي التكرار، واللفظة التي تردد فتفيد بمتعلقها معنى آخر غير معنى الأولى هي الترديد.

قال الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته: وإن اتفق للشاعر توجيه اللفظة المرددة واشتراكها بمعنى آخر كان أبلغ. انتهى.

قلت: ولا يخفى أنه حينئذ يكون من باب الجناس التام.

ومثاله قول الشيخ الإمام عز الدين بن أبي الحديد في إحدى علوياته:

<<  <   >  >>