وبيت الشيخ عز الدين صالح للتجريد وهو:
دع المعاصي فشيب الرأس مشتعل ... بالاستعارة من أزواجها العقمِ
قال المذكور: لو بلغت ما عسى أن أقرل في قوله: من أزواجها العقم: ما يرعب السامع.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وكان غرس التمني يانعاً فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهمِ
وبيت بديعية الطبري قوله:
خوافي الحب أورتها قوادمه ... من استعارة نار الهجر مع سدمِ
مساوي هذا البيت ظاهرة على كل مبتدئ، فما ظنك بغيره؟.
وبيت بديعيتي هو قولي:
ذوى وريق شبابي في الغرام بهم ... من استعارة نار الشوق والألمِ
هذا البيت وبيت ابن حجة فرسا رهان في هذه الحلبة.
وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:
إن لم أصغ ناظماً عقداً فرائده ... وسائط كلها من جوهر الكلمِ
[المقابلة]
ولوا بسخط وعنف نازحين وقد ... قابلتهم بالرضا والرفق من أمم
المقابلة - هي أن يأتي المتكلم بلفظين متوافقين فأكثر، ثم بأضدادها أو غيرها على الترتيب، وهذا أحد الفرقين بينهما وبين المطابقة. والمراد بالتوافق خلاف التقابل، لا أنا يكونا متناسبين ومتماثلين، فإن ذلك غير مشروط كما سيجيء من الأمثلة.
قال زكي الدين بن أبي الإصبع: والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين: أحدهما إن الطباق لا يكون إلا بالأضداد، والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها، ولكن الأضداد أعلى رتبة وأعظم موقعاً.
والثاني، إن الطباق لا يكون إلا بين ضدين فقط، والمقابلة لا تكون إلا بما زاد من الأربعة إلى العشرة. انتهى.
قال الشيخ صفي الدين: وكلما كثر عددها كانت أبلغ. انتهى.
وزاد السكاكي في تعريف المقابلة قيداً آخر فقال: هي أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضديهما، ثم إذا شرطت هنا شرطاً، شرطت هناك ضده كقوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى) فإنه لما جعل التيسير مشتركاً بين الإعطاء والإتقاء والتصديق، جعل ضده وهو التعسير المعبر عنه بقوله: فسنيسره للعسرى، مشتركاً بين أضدادها وهي: البخل والاستغناء والتكذيب.
فإن قلت: كون البخل ضد الإعطاء، والتكذيب ضد التصديق ظاهر فما وجه كون الاستغناء ضد التقي؟ قلت: هو مبني على اعتبار ما يلزم الاستغناء من ترك الإتقاء، إذ المراد باستغنى، إنه زهد فيما عند الله ولم يرغب فيه، بمنزلة الشيء المستغنى عنه، فترك الإتقاء واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة، فلم يتق الله ولم يحذر المعاصي وإتباع الهوى. ثم هذا القيد الذي زاده السكالي، لم يعتبره الأكثرون لأنهم عدواً من المقابلة قول أبي دلامة:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر وألافلاس بالرجل
قالوا: قابل بين الحسن والقبح والدين والكفر والدنيا والإفلاس. ومع ذلك فالقيد المذكورة معدوم فيه، لأنه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الإفلاس والكفر ضده، فلا يكون هذا البيت عند السكالي من المقابلة.
وقسم بعضهم المقابلة إلى ثلاثة أنواع: نظيري ونقيضي وخلافي. مثال الأول، قوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم) فإنهما جميعاً من باب الرقاد المقابل باليقظة في آية (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود) وهذا مثال الثاني، فإنهما نقيضان. ومثال الثالث مقابلة الشر في قوله تعالى: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) فإنهما خلافان لا نقيضان، فإن نقيض الشر الخير، ونقيض الرشد الغي. انتهى.
وهذا تقسيم غريب، قل من ذكره، ولعل قائله تفرد به.
تنبيهان: الأول- ظاهر كلام جماعة إن المقابلة لا تكون إلا بالأضداد كالمطابقة فيبطل الفرق الأول من الفرقين المذكورين بين المطابقة والمقابلة.
الثاني - قال الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته: المقابلة أن يأتي الناظم بأشياء متعددة في صدر البيت، ثم يقابل كل شيء منها بضده في العجز، على الترتيب أو بغير الضد. انتهى.
وظاهر هذا أن المقابلة في النظم لا تكون إلا بين ألفاظ صدر البيت وعجزه. وليس كذلك، بل قد تكون في كل من صدر البيت وعجزه، بأن يأتي بلفظين ويقابل منهما بضده أو غيره في الصدر، وكذا في العجز كقول الطغرائي: