حسبي من الشرف العليا أرومته ... إن انتمى لنظام الدين في حسبن
هذا أبي حين يعزى سيدٌ لأبٍ ... هيهات ما للورى يا دهر مثل أبي
قطب عليه رحى العلياء دائرة ... وهل تدور الرحى إلا على القطب
كالليث والغيث في عزم وفي كرم ... والزهر والدهر في بشر وفي غضب
مسلك تهب آلاف راحته ... فكم أغاثت بجدواها من التعب
أضحت به الهند للألباب سالبة ... كأنها هند ذات الظلم والشنب
ومن الموشحات التي اشتملت على بديع الاستعارة قول شهاب العزازي:
يا ليلة الوصل وكأس العقار ... دو استتار
علمتماني كيف خلع العذارْ
اغتنم اللذة قبل الذهابْ
وجر أذيا الصبا والشباب
وأشرب فقد طابت كؤوس الشراب
على خدود تنبت الجلنار ... ذات احمرار
طرزها الحسن بآس العذار
الراح لا شك حياة النفوس
فحل منها عاطلات الكؤوس
واستجلها بين الندامى عروس
تجلى على خطابها في أزار ... من النضار
حبابها قام مقام النثار
أما ترى وجه الهنا قد بدا
وطائر الأسحار قد غردا
والروض قد وشاه قطر الندا
فكلمل اللهو بكأس تدار ... على افترار
مباسم الأزهار غب القطار
إجن من الوصل ثمار المنى
وواصل الكأس بما أمكنا
مع طيب الريقة حلو الجنى
بمقلة أفتك من ذي الفقار ... ذات أحورار
منصورة الأجفان بالانكسار
زار وقد حل عقود الجفا
وافتر عن ثغر الرضا والوفا
يا ليلة أنعم فيها وزار ... شمس النهار
حييت من بين الليالي القصار
ولنقف من النظم على هذه الغاية، ففيه للطالب كفاية إن شاء الله تعالى.
خاتمة - من المهم الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة، نحو زيد أسد. قال الزمخشري في قوله تعالى: (صم بكم عمي) فإن قلت: هل يسمى ما في الآية الاستعارة؟ قلت: مختلف فيه والحففون على تسمية تشبيهاً بليغاً لا استعارة، لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون. وإنما تطلق الاستعارة، حيث يطوي ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلواً عنه، صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه، لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام. ومن ثم ترى المفلقين من السحرة يتناسبون التشبيه ويضربون عنه صفحاً.
وعلله السكاكي بأن من شرط الاستعارة، إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر، وتناسي التشبيه وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة، فلا يجوز كونه استعارة، وتابعه صاحب الإيضاح.
قال في عروس الأفراح: وما قالاه ممنوع، وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر.
قال: بل لو عكس ذلك وقيل: لا بد من عدم صلاحيته لكان أقرب لأن الاستعارة مجاز لا بد له من قرينة، فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة، وصرفناه إلى حقيقته، وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة، أما لفظية أو معنوية، نحو زيد أسد، فالأخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقية.
قال: والذي نختاره، إن نحو زيد أسد قسمان، تارة يقصد به التشبيه فتكون أداة التشبيه مقدرة، وتارة يقصد به الاستعارة، فلا تكون مقدرة، ويكون الأسد مستعملاً في حقيقته، وذكر زيد والأخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها، فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه، وإن لم تقم، فنحن بين إضمار واستعارة، والاستعارة أولى، فيصار إليها.
وممن صرح بهذا الفرق، عبد اللطيف البغدادي في قوانين البلاغة.
وكذا قال حازم: الفرق بينهما إن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه. فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها، والتشبيه بغير حرف على خلاف، لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه، قال في الإتقان.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين في نوع الاستعارة قوله:
إن لم أحث مطايا العزم مثقلة ... من القوافي تؤم المجد عن أمم
وبيت ابن جابر الأندلسي قوله:
تقول صحبي وسفن العيس خائضة ... بحر السراب وعين القيظ لم تنم
قال ابن حجة: بيت الشيخ صفي الدين وبيت ابن جابر لم يحسن السكوت عليهما، إذ لم تنم بهما الفائدة، فإن بيت الشيخ صفي الدين متعلق بما قبله، وبيت ابن جابر متعلق بما بعده.