والإطناب، قيل: بمعنى الإسهاب وألحق أنه اخص منه. فإن الإسهاب التطويل لفائدة، أو لا لفائدة، كما ذكره التنوخي وغيره.
وإذا عرفت ذلك، فالبسط عند البديعين هو الإطناب بالجمل وغيرها، نحو قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي يجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون. أطنب فيها أبلغ إطناب، وزاد على المتعارف، وهو أن يقول: عن في وقوع كل ممكن على نظام مخصوص لآيات للعقلاء، لكون الخطاب مع الثقلين، وفي كل عصر وحين، للعالم منهم والجاهل، والموافق والمنافق.
وقول نبيه عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة) ، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله وكتابه ونبيه وللأئمة المسلمين وعامتهم، فبسط الكلام وزاد على المتعارف، وهو أن يقول: لله وكتابه ونبيه والمسلمين، فإنها لفظة جامعة للأئمة والعامة، لأجل التخصيص وأفراد الأئمة بالذكر.
ومثاله من الشعر قول ابن المعتز يصف الخير:
قد نفض العاشقون ما صنع ال ... الدهر بألوانهم على ورقه.
فإن حاصل هذا الكلام: الإخبار بصفرة الخيري، بأن يقول: الخير أصفر، فبسط هذا اللفظ الذي لو اقتصر عليه حصل الغرض لما فيه من حسن إدماج الغزل في الوصف بغير لفظة تشبيه ولا قرينة، إذ مفهوم اللفظ: إن صفة الخيري تشبه ألوان العاشقين.
وقول أبي العلاء المعري:
والحمد والكبر ضدان اتفاقهما ... مثل اتفاق فتاء السن والكبر.
يجنى تزايد هذا من تناقص ذا ... والليل إن طال غال اليوم بالقصر.
وحاصل ذلك: ذم الكبر، وكان أصله أن يقول: الكبر ممقوت ابلغ مقت، فأطنب بوضعه موضعه قوله: ضدان، وأردفه التشبيه التمثيلي وهو قوله: اتفاقهما مثل اتفاق فتاء السن والكبر، ثم بين الوجه على سبيل الاستيناف يقوله: يجنى تزايد هذا من تناقض ذا، ثم ذيله بالاستعارة التمثيلية وهي قوله: والليل إن طال غال اليوم بالقصر. كل ذلك لأجل المبالغة في ذم الكبر، وتصوير عدم اجتماعه والحمد في الوجود ليعلم أنه من أقبح الأخلاق.
وقول الطغرائي:
والحب حيث العدى والأسد رابضة ... حول الكناس لها غاب من الأسل.
فإن الغرض من جميع البيت: ما قاله ابن هاني المغربي في شطر بيت وهو (الحب حيث المعشر الأعداء. ولكنه بسط الكلام للمبالغة في وصف محبوبه بأنه مصون محتجب لا سبيل إلى الوصول إليه والحال هذه.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي:
سهل الخلائق سمح الكف باسطها ... منزه لفظه عن ل ولن ولم.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
ذو بسط كف وخلق زانه خلق ... أثنى عليه إله العرش بالعظم.
وبيت بديعية ابن حجة:
هم معشر بسطوا جودا سقاه حيا ... فأخضر العيش في أكناف أرضهم.
وبيت بديعية المقري قوله:
ما ذاك عم عدد جم ولا عدد ... وهل يقال لفضل الله ذا بكم.
وبيت بديعية السيوطي:
عن كنه معناه كل المطنبون وقد ... أوتى البلاغة والإيجاز في الكلم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
منه الندى والعطا والجود منبعه ... يزري عطاه عطاء الوابل الرزم.
وبيت بديعيتي قوله:
بسط الأكف يرون الجود مغنمة ... لا يعرفون لهم لفظا سوى نعم.
الحاصل من جميع البيت: وصفهم بالكرم، وبسط الكلام لتأكيد مدحهم بذلك والله أعلم.
[المدح في معرض الذم.]
إن شئت في معرض الذم المديح فقل ... لا عيب فيهم سوى إكثار نيلهم.
هذا النوع من مستخرجات ابن المعتز، وسماه قوم: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وآخرون: النفي والجحود. وهو ضربان: أحدهما، وهو أفضلهما، أن يستثنى من صفة ذم منفية صفة مدح يتعذر دخولها فيه.
كقول النابغة الذبياني:
لا عيب فيهم غير إن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب.