أحدهما المطرف، وهو أن تكون الفاصلتان مختلفتين في الوزن كقوله تعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلكم أطوارا) فالوقار والأطوار مختلفان وزنا، وقولهم: من حسنت حاله استحسنت محاله.
الثاني المرصع، وهو أن يكون ما في أحد القرينتين أو أكثر مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن والتقفية، كقول الحريري: فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الإسماع بزواجر وعظه، وقول البديع الهمذاني: أن بعد الكدر صفوا، وبعد المطر صحوا.
وقد تقدم الكلام على الترصيع في النظم.
الثالث المتوازي، وهو أن تكون الفاصلتان دون سائر ألفاظ القرينتين متفقتين في الوزن والتقفية، كقوله تعالى: (فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة) وقوله عليه السلام: اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا. ومنهم من لم يشترط في السجع التقفية في الفاصلتين، بل اكتفى باتفاقهما في الوزن فقط، وسماء المتوازن كقوله تعالى: (ونمارق مصفوفة، وزرابي مثبوثة) وقولهم: اصبر على حر اللقاء ومضض النزال، وشدة المصاع، ومداومة المراس. قال: فإن روعي الوزن في جميع كلمات القرينتين أو أكثرها، وقابل الكلمة منها بما يعادلها كن أحسن، كقوله تعالى: (وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم) .
ثم السجع ينقسم بحسب القرائن إلى ثلاثة أقسام: الأول ما تساوت قراينه، كقوله تعالى: (في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل مدود) ، وقوله: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) .
الثاني ما طالت قرينته الثانية، كقوله تعالى: (خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه) ، ويشترط في طول الثنائية أن لا يكون بحيث يخرجها من الاعتدال كثيرا وإلا كان قبيحا، وأما الثالثة فيجوز أن تكون مساوية في الطول للأوليتين، وأن تزيد عليهما طولا كقوله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصلوا بالحق وتواصلوا بالصبر) .
الثالث ما قصرت قرينته الثانية عن الأولى، وهو عيب فاحش، لأن السمع قد استوفى أمده من الأولى لطولها، فإذا جاءت الثانية أقصر يبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها، والذوق يشهد بذلك ويقضي بصحته، ولذلك عابوا على الفتح بن خاقان المغربي افتتاحه خطبته في قلائد العقيان بقوله: الحمد لله الذي راض لنا البيان حتى انقاد في أعنتنا، وشاد مثواه أجنتنا.
قال ابن الأثير: السجع يحتاج إلى أربعة شرائط: اختيار مفردات الألفاظ، واختيار التأليف، وكون اللفظ تابعا للمعنى لا عكسه، وكون كل واحد من الفقر دالة على معنى آخر، وإلا لكان تطويلا كقول الصابي: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بلحاظها، ولا تحده الألسن بألفاظها، ولا تخلفه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدهور بكرورها، والصلاة على من لم ير للكفر أثرا إلا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفاه. إذ لا فرق بين مرور العصور وكرور الدهور، ولا بين محو الأثر ةإعفاء الرسم. وقول الصاحب بن عباد في مهزومين: طاروا واقعين بظهورهم وصدورهم، وبأصلابهم نحورهم. ورد هذا الشرط الرابع ابن أبي الحديد في الفلك الدائر على المثل السائر بما لا طائل تحته.
ثم السجع إما القصير وهو الأحسن لقرب فواصل السجعة من سمع السامع، وأيضا هو أوعر مسلكا، إذ المعنى إذا صيغ بألفاظ قليلة عسر مواطاة السجع فيه. قيل للصاحب بن عباد: ما أحسن السجع؟ قال: ما خف على السمع، قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل هذا. ومثاله في التنزيل قوله تعالى: (والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا) .
وإما متوسط كقوله عز وجل: "اقتربت الساعة وانشق القمر، وأن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر".
وإما طويل كقوله تعالى: (إذ يريك الله في منامك قليلا ولو أراكم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم أنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور) .
تنبيهات.