للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما ورد للتدله, ما وقع كثيرا في خطابهم للأطلال والرسوم والمنازل والأيام وغيرها, والاستفهام عنها كقول مهيار:

نشدتك يا بانة الأجرع ... متى رفع الحي من لعلع

وهل مر قلبي بالتابعين ... أم خار ضعفا فلم يتبع

وقول ذي الرمة:

أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللاتي مضين رواجع

وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع

ومما ورد للتحقير قوله تعالى حكاية عن الكفار"هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد" يعنون محمدا صلى الله وآله وسلم, كأن لم يكونوا يعرفون منه إلا أنه رجل ما, وهو عندهم أظهر من الشمس. قال بعضهم: وينبغي أن يسمى هذا تجهيل العارف, لأنهم جهلوهم مع كونهم عارفين به صلى الله عليه وآله وسلم لغرض فاسد لهم لعنهم الله.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين قوله:

يا ليت شعري أسحر كان حبكم ... أزال عقلي أم ضرب من اللمم

وبيت بديعية ابن جابر قوله:

إذا بدا البدر تحت الليل قلت له ... أأنت يا بدر أم مرأى وجوههم

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

وعارف مذ بدا بدري تجاهل لي ... وقال حبك أم ذا البدر في الظلم

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وافتر عجبا تجاهلنا بمعرفة ... قلنا أبرق بدا أم ثغر مبتسم

وبيت بديعية الطبري قوله:

سراة حسن بدوا قلنا سنا قمر ... تجاهلا أم سنا برق على أضم

وبيت بديعيتي هو:

تجاهل المعارف الباغي فقال له ... أمعجز ما نرى أم سحر مجترم

لا يقال ما في هذا البيت من المدح شيء سوى أنه حكاية حال لتجاهل الكفار. لانا نقول المدح في مفهومه, وهو بيان أن من شك في معجزه صلى الله عليه وآله وسلم إنما شك عنادا, وأظهر شكه تجاهلا, فهو من باب تجاهل العارف المعاند, وإلا فمعجزه صلى الله عليه وآله قد تحقق إعجازه لكل ذي بصر, آمن من آمن, وكفر من كفر.

وبيت بديعية المقري قوله:

هل بين بدري وبين الأفق من نسب ... فالكل للجد سام قد عزي ونمي

[الاعتراض]

وما عليه اعتراض في نبوته ... وهو الصدق فثق بالحق والتزم

الاعتراض, هو أن يؤتى في أثناء الكلام, أو بين كلامين متصلين معنى, بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب -لنكتة- سوى دفع الإبهام, فخرج الاحتراس. وسماه قدامة -لالتفات الصاحب بن عباد - حشو اللوزينج. ومتى خلا عن نكتة سمي حشوا, فلا يعد حينئذ من البديع, بل هو من المستهجن. والنكتة في الاعتراض كثيرة: - منها التنزيه.

كما في قوله تعالى "ويجعلون لله البنات -سبحانه- ولهم ما يشتهون" فإن قوله (سبحانه) جملة لكونه بتقدير الفعل وقعت في أثناء الكلام, لأن قوله (ولهم ما يشتهون) عطف على قوله (لله البنات) , والنكتة فيه تنزيه الله وتقديسه عما ينسبون إليه.

ومنها الدعاء كما في قول الشاعر:

إن الثمانين وبلغتها ... وقد أحوجت سمعي إلى ترجمان

فقوله (وبلغتها) يفيد الدعاء, وهو جملة معترضة بين اسم إن وخبرها, والواو فيه اعتراضية ليست عاطفة ولا حالية.

ومثله قول عبد الرحيم بن عبد المالك يخاطب أخاه وهو في حبس الرشيد:

فلو بك ما بي لا يكن بك لا أغتدي ... إليك وراح البر بي والتقرب

ومنها التنبيه كما في قوله:

وأعلم فعل المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا

وقول الشاعر:

لو أن الباخلين وأنت فيهم ... رأوك تعلموا منك المطالا

و (منها) تخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما: كقوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك" فقوله (أن أشكر لي ولوالديك) وقوله (حملته) إلى آخره, اعتراض بينهما, إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا, وتذكيرا لحقها العظيم مفردا. ولذلك قيل: حق الوالد أعظم وحق الوالدة ألزم.

ومنها المطابقة والاستعطاف كما في قول أبي الطيب:

وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لرأيت فيه جهنما

فقوله (يا جنتي) اعتراض للمطابقة مع جهنم وللاستعطاف.

ومنها بيان السبب لأمر فيه غرابة كما في قول الشاعر:

فلا هجره يبدو وفي اليأس راحة ... ولا وصلة يصفو لنا فنكارمه

<<  <   >  >>