للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأول: أن الترديد لا يشترط فيه إعادة اللفظة في المصراع الثاني، بل لو أعيدت في المصراع الأول صح بخلاف التعطف.

والثاني: أن الترديد يشترط فيه إعادة اللفظة بصيغتها، والتعطف لا يشترط فيه ذلك، بل يجوز أن تعاد اللفظة بصيغتها وبما يتصرف منها.

كلفظتي (ساق) و (سقت) في قول أبي الطيب:

فساق إلي العرف غير مكدر ... وسقت إليه الشكر غير مجمجم.

ومنه ما انشده الأصمعي وقد قال له الرشيد: أنشدني أبياتا تجمع محاسن الأخلاق، وتشتمل على صالح الأعمال في الدنيا والآخرة، فأنشده هذه الأبيات، وفي كل منها مثال النوع المذكور وهي:

فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظلم مرتعه وخيم.

ولا تفحش وإن مليت غيظا ... على أحد فإن الفحش لوم.

ولا تقطع أخاً لك عند ذنب ... فإن الذنب يغفره الكريم.

ولا تجزع لريب الدهر واصبر ... فإن الصبر في الدنيا سليم.

ومنه قول أبي عمر أحمد بن محمد الأندلسي (٣) من قصيدة:

تخوفني طول السفار وآته ... لتقبيل كف العامري سفير.

دعيني أرد ماء المفاوز آجنا ... إلى حيث ماء المكرمات نمير.

فإن خطيرات المهالك ضمن ... لراكبها أن الرجاء خطير.

وفيها:

وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير.

لأن ودعت مني غيورا فإنني ... على عزمتي من شجوها لغيور.

وقول الآخر:

إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى ... تقولين لولا الهجر لم يطب الحب.

وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى ... تقولين لي أن بالهوى يشرق القلب.

وإن قلت ما أذنبت قلت مجيبة ... حياتك ذنب لا يقاس به ذنب.

وبيت بديعية الصفي قوله:

وصحبه من لهم فضل إذا افخروا ... ما أن يقصر عن غايات فضلهم.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

تعطفوا برضى أحبابهم وعلى ... أعدائهم عطفوا بالصارم الخذم.

وبيت بديعي ابن حجة قوله:

تعطف الخير كم أبدوا لمذنبهم ... والخير ما زال في أبواب صفحهم.

وبيت بديعية المقري قوله:

المرسلون ندا المرسلون مدى ... الشافعون عطا الشافعون الأمم.

هذا البيت لا ينطبق على حد هذا النوع.

وبيت بديعية السيوطي قوله:

تعطفا لمحب فيك ليس له ... تعطف عنك معدود من الخدم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

بفضله كل من في الكون معترف ... فضل يعم جميع الخلق كلهم.

وبيت بديعية الطبري قوله:

تعطفا بي أرجو منك ليس له ... تعطف بك مني غي منصرم.

وبيت بديعيتي قولي:

من التعطف مازالوا على خلق ... إن التعطف معروف لخلقهم.

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته، والله أعلم.

[الاستتباع.]

يعفون عن كل ذي ذنب إذا قدروا ... مستتبعين نداهم عند عفوهم.

هذا النوع سماه العسكري: المضاعف، وابن أبي الإصبع ومن بعده: التعليق، وسماه الزناجي: الموجه، والسكاكي: الاستتباع. ولم يغير أحد منهم الشواهد.

وهو عبارة عن الوصف بشيء يستتبع وصفا آخر من جنس الوصف الأول، مدحا كان أو ذما أو غير ذلك.

كقول أبي الطيب:

عمر العدو إذا لاقاه في رهج ... أقل من عمر ما يحوي إذا وهبا.

فمدحه بفرط الشجاعة، واستتبع في آخر البيت وصفه بفرط الجود.

وقوله أيضاً:

نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد.

مدحه بالنهاية في الشجاعة إذا أكثر قتلاه، بحيث لو ورث أعمارهم لخلد في الدنيا، على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها، حيث جعل الدنيا مهنأة بخلوده، إذ لا معنى لتهنئة أحد بشيء لا فائدة له فيه.

قال علي بن عيسى الربعي: وفيه وجهان آخران من المدح، أحدهما: نهبت الأعمار دون الأموال، وهو ما ينبئ عن علو الهمة. والثاني: أنه لم يكن ظالما في قتل أحد من مقتوليه، لأنه لم يقصد بذلك إلا صلاح الدنيا وأهلها، لأن تهنئة الدنيا تهنئة لأهلها، فلو كان ظالما في قتل من قتل ما كان لأهل الدنيا سرور بخلوده.

ومما ورد من ذلك في الذم قول ابن هانئ المغربي:

إن لفظا تلوكه لشبيه ... بك في منظر الجفاء الجليف.

<<  <   >  >>