روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر علي وفاطمة عليهما السلام وفضة جارية لهما صوم ثلاثة أيام إن برئا. فشفيا, وما معهم شيء, فاستقرض علي عليه السلام من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير, فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا, واختبزت خمسة أقراص, فوضعوها بين أيديهم ليفطروا, فوقف مسكين, فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء. وأصبحوا صياما, فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم, فآثروه, ثم وقف عليهم في الليلة الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك. فنزل جبرئيل بهذه السورة وقال: خذها يا محمد, هناك الله في أهل بيتك. ذكر ذلك القاضي ناصر الدين البيضاوي في تفسيره, وإجماع المفسرين على ذلك والله أعلم.
@أنوار الربيع في أنواع البديع
[حسن الإتباع]
هم عصمة للورى ترجى النجاة بهم ... يا فوز من زانه حسن إتباعهم.
هذا النوع عبارة عن أن يأتي المتكلم إلى معنى لغيره فيحسن إتباعه فيه، بحيث يستحقه بوجه من الوجوه التي توجب استحقاقه له، إما بحسن سبك، أو قصر وزن، أو تمكين قافية، أو زيادة وصف، أو تتميم نقص، أو تحلية بحلية من البديع يحسن بمثلها النظم، وتوجب الاستحقاق.
كحسن إتباع أبي نواس جريرا في قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا.
فإنه نقله من الفخر إلى المدح:
ليس من الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد.
فزاد على جرير بقصر الوزن، وحسن السبك، وإخراج كلامه من مخرج الظن، وذكره العالم وهو أعم من الناس في بيت جرير، وغير ذلك.
ومن شواهده المستحسنة: حسن إتباع ابن الرومي لمحمد بن عبد الله النميري قي قوله يتغزل بزينب أخت الحجاج وأترابها، وهو يقول:
فهن اللواتي إن برزن قتلنني ... وإن غبن قطعن الحشا زفرات.
فقال ابن الرومي وأحسن الإتباع:
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعن أليم.
فزاد عليه بزيادات أو حببت استحقاقه، ولم تبق للسمع معه على سماع بيت النميري طاقة.
وقال بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج.
فأحسن إتباعه سلم الخاسر فقال:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور.
فيقال عن بشار لقي بعد ذلك سلما فقال له: أولى لك يا ابن الفاعلة، تذهب ببيتي؟ والله لأسلخن جلدك هجاء، فوقع سلم على قدميه يقبلهما ويسأله العفو، حتى قال له: على أن لا تعود لمثل ذلك، فحلف، فكف عنه.
وقال مسلم بن الوليد:
تجري محبتها في قلب وامقها ... مجرى السلامة في أعضاء منتكس.
فأحسن إتباعه أبو نواس فقال:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم.
حكى الأصمعي قال: حضرت مجلس الرشيد وعنده مسلم بن الوليد إذ دخل أبو نواس فقال له الرشيد: ما أحدثت بعدنا يا أبو نواس؟ فقال: يا أمير المؤمنين ولو في الخمر، فأنشده:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم.
حتى أتى على آخرها فقال: أحسنت، يا غلام فأعطه عشرة ألاف درهم وعشر خلع، فأخذها وخرج، فلما خرجنا من عنده قال لي مسلم بن الوليد: ألم ترى يا ابن سعيد أبا الحسن كيف سرق لي شعري وأخذ به مالا وخلعا؟ قلت: وأي معنى سرق؟ قال: قوله: فتشمت في مفاصلهم.... الخ البيت، فقلت: وأي شيء قلت؟ قال: قلت:
غراء في فرعها ليل على قمر ... على قضيب دعص النقا الدهس.
أذكى من المسك أنفاسا وبهجتها ... أرق ديباجة من سرقة النفس.
كأن قلبي وشاحاها إذا خطرت ... وقلبها قلبها في الصمت والخرس.
تجري محبتها في قلب وامقها ... مجرى السلامة في أعضاء منتكس.
فقلت: ممن سرقت أنت هذا المعنى؟ فقال: لا أعلم أنني أخذته من أحد، فقلت: بلى، من عمر بن أبي ربيعة حيث يقول:
أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن العتيق.
وزمزم والمطاف ومشعريها ... ومشتاق يحن إلى مشوق.
لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى عروقي.
فقال: ممن سرق عمر بن أبي ربيعة هذا المعنى؟ فقلت: من بعض العذريين حيث يقول: