وفي الاصطلاح: هو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده لأجل نكتة في المذكور, ترجح اختصاصه بالذكر على غيره, ولولاها لكان ذكره دون ما يسد مسده خطأ طاهرا عند أهل النقد, كقوله تعالى "وأنه هو رب الشعرى", خص الشعرى بالذكر دون غيرهما من النجوم وهو تعالى رب كل شيء, لأن قوما من العرب في الجاهلية كانوا عبدوا الشعرى العبور, وكان رجل يعرف بابن أبي كبشة أول من عبدها ودعا إلى عبادتها وقال: قطعت السماء عرضا, ولم يقطع السماء عرضا نجم غيرها نعبدها. فأنزل الله تعالى: وأنه هو رب الشعرى, التي ادعيت فيها الربوبية.
وهذا ابن أبي كبشة هو الذي كان المشركون ينسبون إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, لأنه خالف قريشا في عبادة الأوثان, فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا إلى الله عز وجل, وترك الأوثان قالوا: هذا ابن أبي كبشة, أي شبهه ومثله في الخلاف, كما قال بنوا إسرائيل لمريم: يا أخت هارون, أي شبه هارون في الصلاح. وقيل: أبو كبشة كنية وهب بن عبد مناف جده صلى الله عليه وآله وسلم من قبل أمه, لأنه كان نزع إليه في الشبه. وقيل: كنية زوج حليمة السعدية, أو كنية عم ولدها.
ومثال هذا النوع من الشعر قول الخنساء:
يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل غروب شمس
خصت هذين الوقتين بالذكر دون سائر الأوقات لما فيها من النكتة المتضمنة للمبالغة في وصفه بصفتي الشجاعة والكرم, لأن طلوع الشمس وقت شن الغارات على العدى, وغروبها وقت إيقاد النيران للقرى.
وقول أبي تمام في القصيدة التي يهني بها المعتصم بفتح عمورية (بتشديد الميم والياء) وهي بلد بالروم:
تسعون ألفا كآساد الشرى نضجت ... جلودهم قبل نضج التين والعنب
خص التين والعنب بالذكر دون سائر الثمار, لأن التخمين كانوا قد زعموا أنها لا تفتح إلا بعد أن ينضج التين والعنب. ومن لم يقف على هذا الخبر عاب عليه تخصيصها بالذكر, وأول من انتقد عليه ذلك أبو الطيب المتنبي في مناظرته لأبي علي الحاتمي, حتى قال له الحاتمي: لهذا البيت خبر لو استقريته وتصفحته لأقصرت عن تناوله بالطعن فيه, ثم قص عليه الخبر.
وبيت بديعية الحلي قوله:
وآله أمناء الله من شهدت ... لقدرهم سورة الأحزاب بالعظم
قال في شرحه: النكتة المخصصة فيه: ذكر سورة الأحزاب, هي أن فيها دون غيرها تصريحا يمدح أهل البيت في قوله تعالى "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" ولولا هذا الاختصاص لكانت كغيرها من السور.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
في براءة تنكيت بمدحته ... معناه في الشرح يشفي ذي البكم
قال في شرحه: النكتة في ذكر سورة براءة قوله تعالى "ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا".
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وآلة البحر آل أن يقس بندى ... كفوفهم فافهموا تنكيت مدحهم
قال في شرحه: خصصت الندى بالذكر لنكتة, وهي الغلو في أن البحر يصير عند هذا الندى سرابا, وهو كما تراه.
وبيت بديعية المقري قوله:
إن شئت تعجب من حب الإله له ... فاقر الضحى ثم فاقرأ سورة القلم
قال في شرحه: النكتة في سورة الضحى وسورة القلم ما فيهما من ذكره صلى الله عليه وآله وسلم, وخطاب الله تعالى إياه باللطف به ما هو ظاهر. ولم أقف على بيت بديعية السيوطي في هذا النوع.
وبيت بديعية العلوي قوله:
قد خصصت خلق منه سمت شرفا ... بالذكر إذ وصفت في نون والقلم
النكتة فيه كالذي قبله من خطاب الله تعالى له عليه السلام باللطف في سورة القلم.
وبيت بديعيتي قولي:
وآله الطاهرون المجتبون أتى ... في هل أتى ظاهرا تنكيت فضلهم
التنكيب فيه تخصيصه سورة هل أتى بالذكر, لما اشتملت عليه من مدح أهل البيت عليهم السلام, وذلك قوله تعالى "عينا يشرب عباد الله يفجرونها تفجيرا. يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" _ الآيات.