للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ناظمة في شرحه: معناه هم أهل الفضائل (سيماهم تبين) أي تظهر. ولا سيماهم: الأصل, ولاسيما, بياء متحركة, وهي مركبة من سي, وما؛ يستثنى بها؛ فسكنت الياء بضرورة الشعر وهو جائز؛ والضمير المتصل يعود إلى الصحابة. وقوله: وهي نور في وجوههم, يعين أثر السجود. وفي البيت التجنيس الملفق. انتهى كلامه, وكأنه يريد التلميح إلى قوله تعالى (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) .

[العنوان]

وآدم إذ بدا عنوان زلته ... به توسل عند الله في القدم

العنوان بضم وقد يكسر, والأول أفصح. قال أبو الهيثم: أصله عنان كرمان, فلما كثرت النونات قلبت إحداهما واوا. ومن قال: علوان, جعل النون لاما, لأنها أخف وأظهر من النون. قال: وكلما استدللت بشيء تظهره على غيره فهو عنوان له. قال: وعننت الكتاب, وعنيته, وعنونته, وعلونته بمعنى واحد. قال: وسمي عنوان الكتاب عنوانا لأنه يعزله نم ناحيته.

وقال الجوهري: ويقال: عينان. وقال الليث: العلوان لغة في العنوان غير جيدة.

قال في المصباح: وعنوان كل شيء ما يستدل به عليه, ويظهره.

وفي اصطلاح البديعيين قال ابن أبي الإصبع: هو أن يأخذ المتكلم في غرض فيأتي لقصد تكميله وتأكيده بأمثلة في ألفاظ تكون عنوانا لأخبار متقدمة وقصص سالفة. ومنه نوع عظيم جدا, وهو عنوان العلوم, بأن يذكر في الكلام ألفاظ تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها.

فمن الأول قوله تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) الآية, فإنه عنوان قصة بلعام.

ومن الثاني قوله تعالى (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) الآية فيها عنوان علم الهندسة, فإن الشكل المثلث أول الأشكال, وإذا نصب في الشمس على أي ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل, لتحديد رؤوس زواياه. فأمر الله تعالى أهل جهنم بالانطلاق إلى ظل هذا الشكل تهكما بهم. وقوله (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) الآيات, فيها عنوان علم الكلام, وعلم الجدل, وعلم الهيئة. انتهى.

وكثيرا ما يقع هذا النوع في أشعار المتقدمين بخلاف أقوال المتأخرين.

فمن ذلك قول أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان وقد كتب إليه بعض إخوانه يوصيه بالصبر, وأجابه بقوله:

ندبت لحسن الصبر قلب نجيب ... وناديت للتسليم خير مجيب

ولم يبق مني غير قلب مشيع ... وعود على ناب الزمان صليب

وقد علمت أمي بأن منيتي ... بحد سنان أو بحد قضيب

كما علمت من قبل أن يهلك ابنها ... بمهلكه في الماء أم شبيب

فهذا عنوان لخبر أم شيب الخارجي. فإنها كانت قد رأت أنها ولدت نارا, فلم تزل النار تشتعل حتى بلغت السماء وعمت بضيائها أقطار الأرض ثم وقعت في ماء فطفئت. وكان إذا قيل لها: أن ابنك قتل لم تصدق, وإذا قيل لها: إنه مات قالت: لا, فلما قيل لها: أنه غرق, ناحت عليه. وكان وثب به فرسه في دجلة من أعلى الجسر فوقع في الماء, وأثقله الحديد الذي عليه فغرق. وحكي أن أصحاب الحجاج غاصوا عليه فأخرجوه من الماء, وشقوا بطنه, واستخرجوا قلبه فوزنوه فكان سبعة أرطال, ويقال: أنهم كانوا يضربون فيه الأرض فيطفر, وإن أحدهم كان يغمزه بأصبعه فيجده كالحجر صلابة, وحديثه معروف.

ومن هذه القصيدة أيضا:

تحملت خوف العار أعظم خطة ... وأملت نصرا كان غير قريب

وللعار خلى رب غسان ملكه ... وفارق دين الله غير مصيب

<<  <   >  >>