التتميم - ومنهم من سماه التمام، وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه، والتسمية الأولى للحاتمي، وهي أولى، وهو عبارة عن الإتيان في الكلام نظما كان أو نثرا بكلمة أو جملة إذا طرحت منه نقص حسنه ومعناه.
ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى: (يطعمون الطعام على حبه) على أن يكون الضمير في حبه للطعام، أي مع حبه والاحتياج إليه. فإن الإطعام حينئذ أبلغ، وأكثر أجرا، فهو تتميم أفاد المبالغة. فلو طرح نقص المعنى، واختل حسن التركيب.
وقوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف) فقوله: وهو مؤمن، تتميم في غاية الحسن، فلو حذفت هذه الجملة لاختل المعنى.
وقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل تتميم أفاد الدلالة على تقليل المدة، وأنه أسرى به في بعض الليل.
ومثاله من الشعر قول زهير:
من يلق يوما على علاته هرما ... يلق السماحة منه والندى خلقا
فقوله: على علاته، أي على كال حال، تتميم للمبالغة.
وقول الآخر:
أني على ما ترين من كبري ... أرعف من أين تؤكل الكتف
فقوله: على ما ترين من كبري، تتميم أفاد معنى زائدا، وحسنا آخر، لو حذف لفات ذلك.
وقول الأخطل:
وأقسم المجد حقا لا يحالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشعر
قوله: حقا تتميم بديع.
وقول ابن المعتز:
وخيل طواها القود حتى كأنها ... أنابيب سمر من قنا الخط ذبل
صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل
فقوله: ظالمين، تتميم في غاية البراعة، فلو حذف لم يبق للبيت رونق، ولا لمعناه لطف.
ومن بديع أمثلته أيضاً قول أبي العلاء المعري:
الموقدون بنجد نار بادية ... لا يحضرون وفقد العز في الحضر
إذا همى القطر شبتها عبيدهم ... تحت الغمائم للسارين بالقطر
فقوله: تحت الغمائم تتميم أفاد مبالغة تأكيد لإرادة الإيقاد، والاهتمام بشأنه. وقوله: بالقطر تتميم للتميم، وذلك أن نزول المطر لا يمنعهم من الإيقاد، ولا يوقد عندهم إلا بالحطب الجزل، وإذا كان الحطب قطرا، وهو العود الذي يتبخر به، كان نهاية في إرادة المبالغة في الاهتمام بشأن الإيقاد، ويحتمل الاستتباع أيضاً، لأن صفة السخاوة استتبعت صفة الثروة لأن الوقود إذا كان عودا لدل على أنهم لم يكونوا من أوساط الناس.
وقول الآخر:
نظرت إليك بعين جازئة ... حوراء حانية على طفل
شبه عينها بعين الظبية على سبيل التجريد، ثم قصد بجازئة المبالغة في الحسن والملاحة، فجاء بقوله: حانية على طفل، تتميما، لأن في نظر الظبية إلى خشفها حال إشفاقها عليه من الملاحة وحسن الفتور ما ليس في غير تلك الحالة.
وقد يؤتى بالتميم لإقامة الوزن، بحيث لو طرحت الكلمة التي قصد بها التتميم، لم ينقص معنى البيت، بل استقل بدونها، ويسمى حشوا، وهو على ضربين: ضرب لا يفيد إلا إقامة الوزن فحسب وهو حشو قبيح معيب، وضرب يفيد مع ذلك نوعا من المحاسن، فإن حذاق الشعراء إذا اضطروا إلى الكلمة لإقامة الوزن، أفادوا بها لطيفة زائدة تفاديا من أن تكون لمجرد الوزن فتعد حشوا قبيحا، وهذا الضرب يسميه بعضهم حشو اللوزينج.
فالأول كقول بعضهم:
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب
فذكر الرأس حشو قبيح لأن الصداع لا يكون إلا في الرأس وعد منه الطيبي في التبيان قول البحتري:
إذا نضون شفوف الريط آونة ... قشرن عن لؤلؤ البحرين أصدافا
قال: شبه أجسادهن إذا خلعن ثيابهن بلؤلؤ قشر عنه الصدف، فتم معنى البيت ولم يتم وزنه، فجاء بذكر البحرين حشوا مستهجنا. انتهى كلامه وليس في محله، بل في ذكر البحرين معنى زائد، فإنه أفاد به تشبيه أجسادهن بأعلى أنواع اللؤلؤ وأغلاها، لأن لؤلؤ البحرين لا يدانيه شيء من اللآلئ التي تستخرج من سائر البحور في حسنه وصفائه ورونقه. نعم لو كان اللؤلؤ منحصرا في لؤلؤ البحرين لتوجه ما ذكره؛ وليس كذلك؛ بل اللؤلؤ يستخرج من بحر الهند، وبحر اليمن وغيرهما، لكن ليس شيء منه في الحسن كلؤلؤ البحرين، فذكر البحرين في البيت من التتميم الحسن البديع.
والضرب الثاني كقول المتنبي:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لرأيت فيه جهنما