للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا النوع عبارة عن أن يأتي المتكلم بكلمة يوهم ما قبلها أو بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها أو تحريفها باختلاف بعض إعرابها، أو اختلاف معناها، أو اشتراك لغتها بأخرى، وغير ذلك من وجوه الاختلاف، والأمر بضد ذلك.

فمثال التصحيف قوله تعالى: (أصيب به من أشاء) ، فإن إصابة العذاب أوهمت السامع أن لفظة (أشاء) بالسين المهملة من الإساءة، ولذلك قرأها حماد الراوية كذلك، وكان لا يحسن القرآن.

وقوا أبي الطيب:

وأن الفيام التي حوله ... لتحسد أرجلها الأرؤس.

فأن لفظة الأرجل أوهمت السامع أنه أراد (القيام) بالقاف، ومراده بالفاء- كما وردت به الرواية- وهي الجماعات، وهو الذي تقتضيه المبالغة، لأن القيام بالقاف يصدق على أقل الجمع.

ومثال اختلاف الأعراب قوله تعالى (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) فإن القياس يقتضي أن يقول: ثم لا ينصروا، بالجزم، عطفا على ما قبله، لكن لما كان الغرض الإخبار بأنهم لا ينصرون أبدا ألغى العطف، وأبقى صيغة الفعل على حالها لتدل على الحال والاستقبال.

وقول الشاعر:

إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وضباء.

فإن لفظة (إن) في البيت توهم السامع أن (من) اسمها، وليس كذلك، بل اسمها ضمير شأن محذوف، والجملة خبرها، أي (أنه من يدخل الكنيسة. وإنما لم يجعل (من) اسمها لأنها شرطية بدليل جزمها الفعلين، والشرط له الصدر فلا يعمل فيما قبله.

ومثال اختلاف المعنى قوله تعالى: (ومن يكرههن فإن الله من بع إكراههن غفور رحيم) ، فإنه يوهم السامع أنه غفور للمكره، وإنما هو لهن.

ومنه قول الشاعر:

يلقاك مرتديا بأحمر من دم ... هبت بخضرته الطلى والأكبد.

فإن قوله: بأحمر من دم، يوهم السامع أن معناه: بأشد حمرة من الدم، وهذا يقتضي كونه اسم تفضيل وهو ممتنع في الألوان وإنما قوله: من دم، تعليل، أي أحم من اجل التباسه بالدم أو صفة، كأن السيف لكثرة التباسه بالدم صار دما.

ومثاله قول المتنبي:

إبعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم.

أي أسود كائن من جملة الظلم، لا أشد سوادا من الظلم.

ومثال توهمه بالاشتراك قوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان) ، فإن ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أن النجم احد النجوم السماوية، وإنما المراد به النبت الذي لا ساق له وبالشجر الذي له ساق.

وقول الصفي الحلي:

وساق من بني الأتراك طفل ... آتيه به على جمع الرفاق.

أملكه قيادي وهو رقي ... وأفديه بعيني وهو ساقي.

فإن ذكر العين يوهم أنه أراد بقوله (ساقي) العضو المعروف الذي هو ما بين الركبة والقدم، وإنما أراد الساقي. وتوهم ابن حجة انه قصد بذلك التورية، فأورد لبيتين في باب التورية وقال: لا شك أن مراده بالمعنى الواحد من التورية ساقي الراح وهو ظاهر صحيح. وبالمعنى الثاني أن يكون هذا الساقي ساقيا للشيخ صفي الدين وهو غير ممكن. انتهى.

وهذا عمى بصيرة من ابن حجة عن المقصود، ولم يقصد الشيخ صفي الدين التورية، وإنما قصد التوهيم. وهذا أحد وجوه الفرق بين التورية والتوهيم، فإن الفرق بينهما من ثلاثة أوجه: أحدها، إن التورية توهم وجهين صحيحين قريبا وبعيدا، والمراد البعيد منهما، والتوهيم يوهم صحيحا وفاسدا والمراد الصحيح منهما. وكذلك هو في البيتين المذكورين.

الثاني: أن التورية لا تكون إلا باللفظة المشتركة، والتوهيم بها وبغيرها.

الثالث: أن إيهام التورية مما يتعمده الناظم، والتوهيم مما يتوهمه القارئ أو السامع. إذا عرفت ذلك فقول ابن حجة: هذا النوع أعني التوهيم كان لا يليق به أن ينتظم في سلك التورية، ليس بصحيح.

وبيت بديعية الصفي قوله:

حتى إذا صدروا والخيل صائمة ... من بعد ما صلت الأسياف في القمم.

قال في شرحه قوله: صائمة، يوهم أن مراده بقوله صلت الأسياف من الصلاة، مراده الصليل، وهو صوت الحديد.

وبيت بديعية الصفي قوله:

يا سائرا مفردا أعربت لحنك في ... توهيم منع رضاع الشاء من حلم.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

والبعض ماتوا من التوهيم وأطرحوا ... والسمر قد قبلتهم عند موتهم.

وبيت بديعية المقري قوله:

<<  <   >  >>