وقال أبو العلاء المعري:
تمتع أبكار الزمان بأسره ... وجئنا بوهن بعد ما خرف الدهر
فليت الفتى كالبدر جدد عمره ... يعود هلالا كلما فني الشهر
وقال أيضاً:
كأنما الخير ماء كان وارده ... أهل العصور وما ابقوا سوى العكر
وقال ابن شماخ:
صفا للأولى قبلي أتوا در دهرهم ... فلم يصف لي مذ جئت بعدهم غير
فجاؤا إلى الدنيا وعصرهم ضحى ... وجئت وعصري من تأخره عصر
وقال ابن قاسم المحدث:
لقي الناس قبلنا غرة الده ... ر ولم نلق منه إلا الذنابى
وقال ابن الخياط المكفوف الأندلسي:
لم يخل من نوب الزمان أديب ... كلا فشأن النائبات تنوب
وغضارة الأيام تأبى أن يرى ... فيها لأبناء الذكاء نصيب
ولذاك من سأل الليالي طالبا ... جدا ًوفهما ًفاته المطلوب
(وقال) ابن لنكك البصري:
عجبت للدهر في تصرفه ... وكل أفعال دهرنا عجب
يعاند الدهر كل ذي أدب ... كأنما ناك أمه الأدب
(وقال) ابن نباتة السعدي:
سقام لا يصاب له طبيب ... وأيام محاسنها عيوب
ودهر ليس يقبل من أديب ... كما لا يقبل التأديب ذيب
يحب على المصائب والرزايا ... فلا كان المحب ولا الحبيب
فائدة_قال زكريا بن محمد القزويني في عجائب المخلوقات: اعتقد الحكماء أن الحوادث أسبابها أوضاع الفلك، فلذلك يشكون من الزمان ومن الدهر.
كما قال قائلهم:
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمي وليس برام
ولو أنها نبل إذن لا تقيتها ... ولكنني أرمى بغير سهام
فلما ورد الشرع نبه على أن الأمر ليس كما اعتقدوا بل الحوادث بقضاء الله تعالى، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله. انتهى كلام صاحب العجائب.
وقد خطر لي هنا سؤال وجواب ذكرتهما في رسالتي التي سميتها (نفثة المصدور) ولا بأس بذكرهما هنا لما (فيهما من) الغرابة.
أما السؤال- فهو أنه إذا كان شكوى الزمان وذمه هو رأي الحكماء وقد ورد الشرع بالنهي عن هذا الرأي والاعتقاد، فكيف يستجيز متشرع ذم الزمان وشكواه؟ وقد وقع ذلك في كلام كثير من علماء المسلمين نظما ونثرا.
والجواب: أنا لا ندم الزمان من حيث أنه سبب للحوادث كما هو اعتقاد الحكماء، بل من حيث أنه ظرف للحوادث المكروهة، وهذا كما يذم الإنسان السنة المجدية، واليوم الشديد الحر، والبلدة الوخمة ألهواء الكريهة الماء، ونحو ذلك، وعلى هذا ورد ذم الدنيا في الأحاديث الشريفة، فلا يرد علينا ما ذكره من هذه الجهة، فافهم وبالله التوفيق.
وأما شكاية الإخوان فمنها قول أبي العلاء المعري:
وليس صبا يفاد وراء شيب ... بأعوز من أخي ثقة يفاد
وقول أبي فراس بن حمدان:
أراني وقومي فرقتنا مذاهب ... وإن جمعتنا في الأصول المناسب
فأقصاهم أقصاهم من مساءتي ... وأقربهم مما كرهت الأقارب
غريب وأهلي حيث ماكر ناظري ... وحيد وحولي من رجالي عصائب
وأعظم أعداء الرجال ثقاتها ... وأهون من عاديته من تحارب
وما أحسن قول أحمد بن نظام الملك:
ولما بلوت الناس أطلب منهم ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
تطعنت من حالي رخاء وشدة ... وناديت في الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد
وكتب المعتصم إلى ابن عمار:
وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى النوائب
فأجابه بقطعة طويلة أولها:
فديتك لا تزهد فثم بقية ... سيرغب فيها عند وقع التجارب
وقال آخر:
أناس أمناهم فنموا حديثنا ... فلما كتمنا السر عنهم تقولوا
ولم يحفظوا الود الذي كان بيننا ... ولا حين هموا بالقطيعة أجملوا
وقال آخر:
أحذر عدوك مرة ... وأحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصدي ... ق فكان أعرف بالمضرة
وقال آخر:
وما أكثر الإخوان حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل
(وقال) آخر: