للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو أن الورى كانوا كلاماً وأحرفا ... لكان نعم منهم وباقي الأنام لا

وقول الآخر:

أمير كله كرم سعدنا ... بأخذ المجد منه واقتباسه

يحاكي النيل حين يروم نيلا ... ويحكي باسلاً في وقت باسه

وقول الآخر:

يا من تدل بمقلة ... وأناملٍ من عندم

كفي جعلت لك الفدا=ألحاظ عينك عن دم وقول الآخر:

لا خير في العلم إذا لم يكن ... حظ من المال أو الجاه لي

والعلم إن لم أك ذا ثروة ... أنزلني منزلة الجاهل

وقول الآخر:

يا من يقول الشعر غير مهذب ... ويسومني التكليف في تهذيبه

لو أن كل الخلق فيك مساعدي ... لعجزت عن تهذيب ما تهذي به

وقول الباخرزي:

أصبحت عبداً لشمس ... ولست من عبد شمس

إني لأعشق ستي ... وحق من شق خمس

هيفاء تترك يومي ... بالهجر حاسد أمسي

ولا تبالي جفاء ... أسر قلبي أم سي

النوع الثالث: الجناس المرفو، وهو ما كان أحد ركنيه مستقلاً، والآخر مرفو من كلمة أخرى. ولم ينظمه الصفي أيضاً. ومثاله قول الحريري:

ولا تله عن تذكار ذنبك وأبكه ... بدمع يحاكي المزن حال مصابه

ومثل لعينيك الحمام ووقعه ... وروعة ملقاه ومطعم صابه

وقوله أيضاً:

وإن قصارى مسكن الحي حفرة ... سينزلها مستنزلاً عن قبابه

فواها لعبد ساءه سوء فعله ... وأبدي التلافي قبل إغلاقه بابه

وقول الآخر:

كف عن الناس إذا شئت أن ... تسلم من قول جهول سفيه

من قذف الناس بما فيهم ... يقذفه الناس بما ليس فيه

وقول آخر:

هتف الصبح بالدجى فاسقنيها ... خمرة تترك الحليم سفيها

لست أدري من رقة وصفاء ... هي في كأسها أم الكأس فيها

وقولي:

إذا أصبحت ذا طرب ولهوٍ ... تعاقر راحة أو شرب راح

فقل لي كيف ترجوا الرشيد يومياً ... وما لك عن ضلالك من براح

وقول بعضهم:

دعوني ورسمي في العفاف فإنني ... جعلت عفافي في حياتي ديدني

وأعظم من قطع اليدين على الفتى ... صنيعة بر نالها من يدي دني

وقول أبي الحسن الباخرزي:

أنا القادم بأرضك رحله ... فإن زرته بدلت بالخاء قافه

أحبك قبل الالتقاء فإن يذب ... أخو صبوة شوقاً إلى الملتقى فهو

انتهى الكلام على الجناس المركب وأقسامه. قال ابن الحجة: وهنا بحث لطيف وهو أنه قد تقرر أن ركني الجناس يتفقان في اللفظ، ويختلفان في المعنى، لأنه نوع لفظي لا معنوي، وهو نوع متوسط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع. والتورية من أعز أنواعه وأعلاها رتبة. فإذا جعلت الجناس تورية انحصر المعنيان في ركن واحد، وخلصت من عقادة الجناس. وأنا أذكر المثالين، قال صاحب الجناس المركب:

اعن العقيق سألت برقا أومضا ... أأقام حادٍ بالركائب أومضا

وقال صاحب التورية:

وإذا تبسم ضاحكاً لم ألتفت ... أن عاد برقا في الدياجي أومضا

وقال في الجناس التام: وإذا راجعت النظر في كلامهم وجدت غالب ما نظموه من التورية جناسا تاماً. فمن ذلك قول الشيخ صدر الدين الوكيل في الدوبيت:

كم قال معاطفي حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حكتها المقل

والآن أوامري عليهم حكمت ... البيض تحد والقنا تعتقل

ففي تحد وتعتقل، جناسان تامان، إذا أبطلت الاشتراك وأبرزت كلا من الركنين في موضعه على طريق من له رغبة في الجناس. انتهى.

وأنا أقول: إن هذا الكلام الذي قرره لا يختص بالتورية، بل يجير في الاستخدام على طريقة ابن مالك أيضاً كقول المعري:

تلك ماذية وما لذباب الصيف والسيف عندها من نصيب

وهذا خروج من الاصطلاح، وقول بالاقتراح. لأن الجناس لا بد فيه من أن يكون ركناه المتفقان في اللفظ، المختلفان في المعنى، موجودين في اللفظ، وإلا لم يسم جناساً عندهم كما هو صريح حدهم له، وكلام ابن حجة ليس بحجة. فإن هذا الذي ذكره شيء لا يعرفه أرباب البديع ولا نص عليه أحد منهم، فلا يلتفت إليه.

<<  <   >  >>