وحد بأنه علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة وأول من أخترعه وسماه بهذه التسمية عبد الله بن المعتز العباسي قال في صدر كتابه وما جمع قبلي فنون البديع أحد ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف وألفته في سنة أربع وسبعين ومأتين فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتص على هذه فليفعل ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئاً إلى البديع وأرتأى غير رأينا فله اختياره.
قال الشيخ صفي الدين في شرح بديعيته وكان جملة ما جمع منها سبعة عشر نوعاً.
وعاصره قدامة بن جعفر الكاتب فجمع منها عشرين نوعاً توارد معه على سبعة منها وسلم له ثلاثة عشر فتكامل لهما ثلاثون نوعاً ثم اقتدى بهما الناس في التأليف فكان غاية ما جمع منها أبو هلال العسكري سبعة وثلاثين نوعاً ثم جمع منها ابن رشيق القيرواني مثلها وأضاف إليها خمسة وستين باباً في فضائل الشعر وصفاته وأغراضه وعيوبه وسرقاته وغير ذلك من أنساب الشعراء وأحوالهم مما لا تعلق له بالبديع وتلاهما شرف الدين التيفاشي فبلغ بها السبعين.
ثم تصدى لها الشيخ زكي الدين ابن أبي الأصبع فأوصلها إلى التسعين وأضاف إليها من مستخرجاته ثلاثين سلم له منها عشرون وباقيها مسبوق إليه ومتداخل عليه وكتابه المسمى التحرير أصح كتاب ألف في هذا العالم لأنه لم يتكل على النقل دون النقد ولم يختلف عليه في إلا مواضع يسيرة لو لأنعم النظر فيه لم تفته وسأذكرها في أماكنها وليس من الباقين إلا من غير بعض القواعد أو بدلا أكثر السماء والشواهد.
وذكر بن الأصبع انه لم يؤلف كتابه المذكور غلا بعد الوقوف على الأربعين كتاباً في هذا العلم أو بعضه وعددها في صدر كتابه فأنهيت الكتاب مطالعةً واطلعت مما لم يقف عليه مما كان قبله وما ألف بعده ثلاثين كتاباً فجمعت ما وجدت في كتب العلماء وأضفت إليه أنواعاً استخرجتها من أشعار القدماء وعزمت أن أؤلف كتاباً محيطاً بجلها إذ لا سبيل إلى الإحاطة بكلها فعرضت لي علة طالت مدتها وامتدت شدتها واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتقاضاني المدح ويعدني البرء من السقام فعدلت عن تأليف إلى نظم القصيدة تجمع فيها أشتات البديع وتتطرز بمدح مجده الرفيع فنظمت مائة وخمسة وأربعين بيتا في بحر البسيط تشمل على مائه وواحد وخمسين نوعاً من محاسنه ومن عد جملة من أصناف التجنيس بنوع واحد كانت عنده العدة: مائة وأربعين نوعا فأن في السبعة البيت الأوائل منها أثني عشراً نوعاً وجعلت كل بيت منها مثالا شاهدا لذلك النوع وربما اتفق في البيت الواحد منها النوعين والثلاثة بحسب انسجام القريحة في النظم والمعتمد منها على ما أسس البيت عليه ثم أخليتها من الأنواع التي اخترعتها واقتصرت على نظم الجملة التي جمعتها لا سلم من شقاق جاهل حاسد أو عالم معاند فمن شاقق راجعته إلى النقل ومن وافق وكلته إلى شاهد العقل - انتهى كاتم الصفي.
قلت: كنت أطن أن أول من نظم أنواع البديع على هذا الأسلوب فضمن كل بيت نوع وانقاد له شموس هذا المرام طوعا هو الشيخ صفي الدين الحلي رحمه الله تعالى حتى وقفت في ترجمة الشيخ علي بن عثمان بن علي بن سليمان أمين الدين السليماني الاربلي الصوفي الشاعر على قصيدة لامية له نظم فيها جملة من أنواع البديع وضمن كل بيت منها ونوعا منه أولها الجناس التام والمطرف وهو:
بعض هذا الدلال والإدلال ... حال بالهجر والتجنب حالي
ثم قال في الجناس المصحف والمركب
جرت إذا حزت ربع قلبي وإذ ... لالي صبرت أكثرت من إذلالي
فعلمت أن الشيخ صفي الدين لم يكن أبا عذر هذا المرام ولا أول من نظم جواهر العقد في نظام فإن الشيخ أمين الدين المذكور توفي قبل يولد الشيخ صفي الدين الحلي بسبع سنين وذلك أن وفاة الشيخ أمين الدين في سنة سبعين وستمائة ولادة الشيخ صفي الدين في سنة سبع وسبعين وستمائة