الإشارة في ذلك إلى قوله تعالى في قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام (قيل لها أدخلي في الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها) الآية.
وجمع النفيس القطرسي بين التلميح إلى القرآن والشعر في قوله:
يسر بالعيد أقوام لهم سعة ... من الثراء وأما المقترون فلا
هل سرني وثيابي فيه قوم سبا ... أو راقني وعلى رأسي به ابن جلا
يشير إلى قوله تعالى عن قوم سبا (ومزقناهم كل ممزق) .
وإلى قول الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
ومنه ما حكاه صاحب كتاب التبر المسبوك: أن السلطان محمودا كتب إلى الخليفة القادر بالله كتابا يتهدده فيه بالفيل, وخراب بغداد, وأن يحمل تراب دار الخلافة على ظهور الفيلة إلى غزنة. فكتب إليه القادر بالله كتابا صغيرا فيه بعد البسملة (ألم) لا غير, فلم يدر السلطان ما معناه, وتحيرت علماء حضرته في حل هذا الرمز, وجمعوا كل سورة من القرآن, أولها (ألم) فلم يكن فيها ما يناسب الجواب. وكان في الجماعة شاب فقال: إن أذن لي الملك أعزه الله حللت الرمز, فقال له الملك: قل, فقال: ألست كتب إليه تهدده بالفيلة وأنك تنقل تراب دار الخلافة على ظهورها إلى غزنة؟ قال: بلى, قال: فإنه كتب إليك (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) , فاستحسن الحاضرون منه ذلك, ثم اصطلح السلطان والخليفة.
ومن خفيه ما حكاه صاحب نزهة العشاق: أن الملك محمود بن صالح ظفر بعدو له فأعتقله, وكان لذلك العدو أخ, فأراد الملك أن يقبض على الأخ كما قبض على أخيه, فأمره أن يكتب إلى أخيه كتابا يدعوه إلى خدمة الملك, ويذكر في الكتاب أن الملك أكرمه وأحسن إليه. فأمتثل ما أمره, وكتب في آخر الكتاب: فعجل القدوم تنل الخير إن شاء الله تعالى, وجعل على رأسه النون تشديدة. فلما وصل الكتاب إلى أخيه فرح وطابت نفسه, فلما انتهى إلى التشديد على رأس النون أنكر ذلك واستراب, وقال: ما شددت هذه النون إلا لخطب شديد. فلم يزل يعمل فكره حتى فطن أن أخاه قصد قوله تعالى (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) . ثم كتب إلى أخيه كتابا, وذكر في آخره: أنا آت عقب كتابي إلى الملك أعزه الله, وشدد النون من (أنا آت) فلما وصل الكتاب إلى أخيه, ورأى ذلك طابت نفسه وفهم أن أخاه أشار إلى قوله تعالى (إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) .
ومنه قول علاء الدين الوداعي فيمن وعده بسمك:
يا مالكا صدق مواعيده ... خلي لنا في جوده مطعما
لم نعد في السبت فما بالنا ... لم تأتنا حيتاننا شرعا