كيف يطير الفؤاد من جزع ... وكل سار فقلبه راس
وقول أبي نصير أحمد بن الحسن الباخرزي:
من عاذري من عاذل قال لي ... ويحك كم تعشق يا مغرم
وآلم القلب ولا غرو إذ ... كل ملوم قلبه مولم
وأخذ بعد المتأخرين المتقدمين على عصرنا بقليل هذا المصراع، وجعله صدراً لعجز البيت الأخر من بيتي ابن العفيف، أما عمداً أو اتفاقاً فقال:
كل ملوم قلبه مولم ... وكل ساق قلبه قاسِ
ومنه قول النيلي:
إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنك البعادُ
وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا
وما ألطف قول الوداعي في مليح ينتف:
تعشقت ظبياً ناعس الطرف ناعما ... إلى أن تبدا الشعر والشعر ألوان
فقالوا أفق من حبه فهو ناتف ... فقلت عكستم إنما هو فتان
وبديع يقول ابن نباتة في الأمير بهرام:
قيل كل القلوب من ... رهبة الحرب تضطرب
قلت هذا تخرص ... قلب بهرام ما رهب
وقول الآخر:
وألفيتهم يستعرضون حوائجاً ... إليهم ولو كانت عليهم جوائحا
وقول أبي القاسم الهرندي:
إن بين الضلوع مني ناراً ... تتلظى فكيف لي أن أطيقا
فبحقي عليك يا من سقاني ... ارحيقا سقيتني أم حريقا
وقول الآخر:
قلت لما لاح لي من ... ها شعاع وبريق
أشقيق أم عقيق ... أم حريق أم رحيق
ومن الغايات في هذا الباب قول القائل:
لبق أقبل فيه هيف ... كلما أملك إن غنى هبه
ومثله قول بعضهم نثراً: أرض خضرا فيها أهيف وأعلى منه قول سيف الدين المشد:
ليل أضاء هلاله ... أنى يضيء بكوكبِ
وهذا مما لا يستحيل بالانعكاس. وسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى.
وما أحسن قول ابن جابر الأندلسي:
بين نعمان وسلع ملأ ... ليس منهم لمحبٍ ألمُ
كلفي منهم ببدر حل في ... فلك العلياء فاعرف من هم
وقوله أيضاً:
قد بان عذري في مليح له ... لحظ رشا يلحظ عن ذعرِ
إني على الهجر مطيع له ... ممتثل في السر والجهر
وقوله أيضاً:
أبدا أبسط خدي أدبا ... لكم يا أهل ذاك العلمِ
أملي أني أرى ربعكم ... فبه يذهب عني ألمي
وقتل أنا مع زيادة التورية:
ورب ساق قلبه قلبه ... أفديه من قاس ومن ساقِ
تحارب العشاق في حسنه ... فقامت الحرب على ساق
وأحسن ما في هذا الباب أن يكون أول البيت كلمة مقاويها قافيته كقول بعضهم:
رقت شمائل قاتلي ... فلذاك روحي لا تفر
رد الحبيب جوابه ... فكأنه في اللفظ در
ومثله قول الصلاح الصفدي:
رضت فؤادي غادة ... ما كنت أحسبها تضر
ردت سؤالي خائباً ... فمدامعي أبداً تدر
وقول آخر:
أهديت شيئاً يقول لولا ... أحدوثة الفال والتبر
كرسي تفاءل فيه لما ... رأيت مقلوبه يسرك
تنبيه - لم يعتبر أكثر علماء البديع في الجناس المقلوب، قلب الحروف من كل وجه، بل اكتفوا بقلب حرف واحد أو حرفين أو حرفين من أحد الركنين كما رأيت، فيسمون كلاً مما كان أحد ركنيه عكس الآخر كما في (كرسي) و (يسرك) وما كان أحد الركنين منه مخالفاً ترتيب الآخر ببعض حروفه مقلوباً، ومنهم من فرق بين الأول والثاني، فخص الأول باسم المقلوب وجناس العكس، والثاني بجناس التصريف وقلب البعض.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين في الجناس اللفظي والمقلوب قوله:
بكل قد نضير لا نظير له ... ما ينقضي أملي منه ولا ألمي
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
لفظي حضي على حظي يمانعه ... مقلوب معنى ملا الأحشاء بالألمِ
قال ابن حجة: أما قوله: مقلوب معنى، فما دخل معناه إلى القلب؟.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
قد فاض دمعي وفاظ القلب إذا سمعا ... لفظي عذل ملا الأسماع بالألم
قال في الشرح: شاهد الجناس اللفظي في البيت قولي (فاض) و (فاظ) فإن الأول من فيض الماء، والثاني من التلف. انتهى.