للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبيتان الأخيران منها في كتاب الحماسة أيضاً في باب مذمة النساء، لكن الأول منهما فيه تغيير، فأن بيت الحماسة هكذا: لا تنكحن عجوزا إن أتيت بها=وأخلع ثيابك منها ممعنا هربا.

وتلطف الحريري في تضمين البيت (من) (٨) أبيات للفارابي في وصف الدنيا، فنقله إلى معنى آخر فقال:

أنبات عانتها وفتح مبالها ... وليان ملمسها من الجثمان.

مرأى كخضراء الديار ومبسم ال ... ليث الهصور وملمس الثعبان.

ومما جاد في التضمين وبلغ فيه الغاية الشيخ مجير الدين محمد بن تميم وهو القائل:

أطالع كل ديوان أراه ... ولم أزجر عن التضمين طيري.

أضمن كل بيت في معنى ... فشعري نصفه من شعر غيري.

ومن محاسنه في هذا الباب قوله:

أزهر اللوز أنت لكل زهر ... من الأزهار يأتينا أمام.

لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدنيا ابتسام.

وقوله:

إذا هجرتني الصهباء يوما ... ألاقي النار في كبدي اشتعالا.

كأن الهم مشغوف بقلبي ... فساعة هجرها يجد الوصالا.

وقوله في مليح ينظر في مرآة: سقيا لمرآة الحبيب فإنها=جليت بكف مثل غصن أينعا.

واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين بوقت معا.

وقوله:

عاينت في الحمام أسود واثبا ... من فوق أبيض كالهلال المسفر.

فكأنما هو زورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر.

وقوله:

إن تاه ثغر الأقاحي إذا تشبهه ... بثغر حبك واستولى به الطرب.

فقل له عندما يحكيه مبتسما ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب.

وقوله:

أفدي الذي أهوى بفيه شاربا ... من بركة راقت وطابت مشرعا.

أبدت لعيني وجهه وخياله ... فأرتني القمرين في وقت معا.

ومن محاسن الشيخ صلاح الدين الصفدي قوله:

أرى فضل المشيب على شباب ... يخالف في بعضه الأغبياء.

وهبني قلت هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء.

وقوله وقد عاد مليحا أرمد:

أيقظته منكراه بعدما رمدت ... عيناه لامسه م بعدها الألم.

قد زرته وسيوف الهند مغمدة ... وقد نظرت إليه والسيوف دم.

وقوله مضمنا قول أبي العلاء المعري في السيف:

ما كنت أحسب لولا نبت عارضه ... أن ينبت الآس وسط الجمر في النهر.

ولا ظننت صغار النمل يمكنها ... مشيا على اللج أو سعيا على السعر.

ومن مليح التضمين قول الشيخ زكي الدين بن أبي الإصبع وقد نقل المعنى من الحماسة إلى الغزل:

له من ودادي ملء كفيه صافيا ... ولي منه ما ضمت عليه الأنامل.

ومن قده الزاهي ونبت عذاره ... صدور رماح أشرعت وسلاسل.

وقول الشيخ شهاب الدين بن (أبي) حجلة:

قل للهلال وغيم الأفق يستره ... حكيت طلعه من أهواه بالبلج.

لك البشارة فأخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج.

وقول الشيخ عز الدين الموصلي: نادمت قوما لا خلاق لهم ولا=ميل إلى طرب ولا سمار.

يستيقظون إلى نهيق حمارهم=وتنام أعينهم عن الأوتار.

وقول الشيخ عبد الرحمن المرشدي:

إذا الحبشي راوده مريد ... أجاب ولو تسمط بالعذار.

فلا تمنعك من أرب لحاهم ... سواء ذو العمامة والخمار.

وقد ضمن الشيخ جمال الدين بن نباتة، والشيخ زين الدين بن الوردي كثيرا من أشطار الملحة للحريري، وأورد أبن حجة نبذة من ذلك في شرح بديعيته.

أما تضمين شيء من ألفية ابن مالك المسماة بالخلاصة فلم أقف عليه إلا الشيخ محمد بن يوسف المراكشي التاولي من علماء هذا القرن فإنه نظم أرجوزة مدح به بلدية الشيخ أحمد بن محمد المقري، وضمن فيها أشطارا من الألفية المذكورة وأجاد في ذلك ما شاء، فمنها قوله:

ذاك الإمام ذو العلاء والهمم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم.

فلن ترى في علمه مثيلا ... مستوجبا ثنائي الجميلا.

ومدحه عندي لازم أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا.

أوصاف سيدي بهذا الرجز ... تقرب الأقصى بلفظ موجز.

فهو الذي له المعالي تعتزي ... وتبسط البذل بوعد منجز.

رتبته في العلم يا من قد فهم ... كلامنا لفظ مفيد فاستقم.

<<  <   >  >>