صلى عليك إله العرش ما طلعت ... شمس النهار ولاحت أنجم الغسق.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
تفصيل مدحك تجميل لذي أدب ... أوصاله كفت البلوى من الرقم.
صدر هذا البيت كان عجز بيت له من قصيدة بائية مطلعها.
لو أن وجه رضائي غير منتقب ... ما سر قلبي بلوغي غاية الأرب.
والبيت الذي جعل عجزه صدرا في بيت بديعيته لأجل نوع التفصيل هو قوله منها:
كسوتني حللا بين الأنام بها ... تفصيل مدحك تجميل لذي أدب.
قال ابن حجة: هذا البيت كان تفصيل حلله كاملا في موضعه، ولما نقل عجزه وجعله صدرا في بديعيته ظهر في تفصيله نقص بقبوله، مع العقادة في العجز كفت البلوى من الرقم، فإن الرقم بفتح الراء وكسر القاف: الداهية، والداهية إذا دخلت بيتا تركته خرابا. انتهى، وهو في محله.
وبيت بديعية ابن الحجة قوله:
قد مال غصن النقا عن صبه هيفا ... ياليته بنسيب العتب لو عطفا.
قلت: ولا يخفى أن في قوله في عجز بيت البديعية (في غير تفصيل مدح) نقص ظاهر، لأنه أطلق المدح وكان حقه أن يقول (له، أو فيه، أو مدحه) ليختص المدح بالممدوح بالبديعية، وقوله في شرحه: وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجيده في دفع هذا الاعتراض.
وبيت بديعية المقري قوله:
سلت ظبي وثنت للكسر أغمدها ... والموت إن كسرت جفنا ولم نشم.
قال في شرحه: هذا البيت أودعته شطرا من بيت لي في الغزل، فنقلته إلى معنى أخر، وصورة البيت:
ترنو بلحظ له جفن تكسره ... والموت إن كسرت جفنا ولم ينم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
فشاة جابر أحياه وقد ذكروا ... عنه حياة أناس بعد موتهم.
وبيت بديعيتي قولي: طويت عن كل أمر يستلذ به=كشحا وقد لذ لي تفصيل مدحهم.
صدر هذا البيت كان صدر بيت لي من قصيدة رائية مدحت بها أبو الوالد قدس الله روحه في سنة إحدى وسبعين ألف، وذلك قبل نظم البديعية بست سنين. وقد عنا لي إيرادها بجملتها هنا لجزالتها وغرابة أسلوبها وهي:
أربة الخدر ذات الريط والخمر ... إليك عني فما التشبيب من وطري.
في كل قامة عسال تأوده ... كفاي لي غنية عن قدك النضر.
طويت عن كل أمر يستلذ به ... كشحا وأغضيت عن ورد وعن صدر.
غنيت بالمجد لا أبغي سواه هوى ... في هزة السمر ما يغني عن السمر.
وما أسفت على عصر قضيت به ... عيش الشبيبة في فسح من العمر.
إلا لفرقة إخوان ألفتهم ... من كل أصيد مثل الصارم الذكر.
طهر المآزر مذ نيطت تمائمهم ... نالوا من المجد ما نالوا من الظفر.
شادوا قباب المعالي من بيوتهم ... واستوطنوا ذروة العلياء من مضر.
كم فيهم من كريم زانه شمم ... تغريك غنته عن طلعة القمر.
سقى الحيا ربع أنس ضم شملهم ... ولا عدا سوحه مستعذب المطر.
يا للرجال لصب بالعلاء فمن ... يمسي ويصبح من دهر على غرر.
لو أنصفتني الليالي حزت مطلبي ... ولم أبت حلف وجد عاقر الوطر.
ألآن أحرز آمالي وأدركها ... بماجد غير ذي من ولا ضجر.
مسدد الرأي لم يعبأ لحادثه ... ولم تخنه يد الأيام والغير.
بدر يلوح بأفق الدست محتبيا ... ليث يصول بباع غير ذي قصر.
كم مهمة جبته بالسيف مشتملا ... والعزم يكحل جفن العين بالسهر.
في ليلة قد أضلتني غيا هبها ... حتى اهتديت إلى بيت من الشعر.
بطلعة كضياء الشمس غرتها ... ونفحة حملتها نسمة السحر.
فظلت والليل تغريني كواكبه ... أراقب الصبح من خوف ومن كدر.
وفي الكنائس من هام الفؤاد بها ... ترنوا إلي بطرف طامح النظر.
فأقبلت وتجارينا معانقة ... كأننا تلاقينا على قدري.
حتى بدت غرة الإصباح واضحة ... وطرة الليل قد شابت من الكبر.
ثم انثنينا ولم يدنس مضاجعنا=إلا بقايا شذى من نشرها العطر.
فاستعجلت تحكم الزنار عقدته ... وتسحب الذيل من خوف على الأثر.
واستقبلت دير رهبان قد اعتكفوا ... يزمزمون بألحان من الزبر.
يا ابن النبي دعاء قد كشفت له ... عن وجه لا واجم عيل ولا حصر.