وقول القاضي الأرجاني:
غالطتني إذ كست جسمي ضنى ... كسوة من اللحم العظاما
ثم قالت أنت عندي في الهوى ... مثل عيني صدقت لكن سقاما
أخذه آخر فقال:
شكوت صبابتي يوماً إليها ... وما قاسيت من ألم الغرامِ
فقالت أنت عندي مثل عيني ... لقد صدقت ولكن في السقام
واختصر الشيخ عبد الرحيم العباس بيتي الأرجاني فقال:
غالطتني حين قالت ... والدوى يبرى العظاما
أنت عندي مثل عيني ... صدقت لكن سقاما
وله أيضاً في هذا النوع:
طلبت خصماً فلاذ مني ... بظلمة سفلة مغابِ
وقال ذا في حمى كليب=يصدق لكن من الكلاب ومنه قول ابن أبي حجلة:
شكوت إلى الحبيبة سوء حظي ... وما ألقه من ألم البعادِ
فقالت أنت حظك مثل عيني ... فقلت نعم ولكن في السواد
وقول صدر الدين بن الوكيل:
وبي من قسا قلباً ولان معاطفا ... إذا قلت أدناني يضاعف تبعيدي
أقر برق إذ أقول أنا له ... وكم قالها يوماً ولكن لتهديدي
وقول هبة الله بن سناء الملك:
أسر لطول أسري في يديه ... فيغضب إذ أسر لطول أسري
سألت الله أن يبلى بعشقٍ ... فأصبح عاشقاً لكن لهجري
وقال نور الدين الأسعردي عندما عمي آخر عمره:
سألت الله يختم لي بخير ... فعجله ولكن في عيوني
قال ابن أبي الإصبع: ولم أسمع في هذا الباب أحسن من قول أبي دويدة المغربي يخاطب رجلاً أودع بعض القضاة ما لا فادعى القاضي ضياعه:
إن قال ضاعت فيصدق أنها ... ضاعت ولكن منك يعني لو نعي
أو قال وقعت فيصدق أنها ... وقعت ولكن منه أحسن موقع
وقال ابن أبي حجلة وأجاد:
رؤساء ما من جاءهم بقصيدة ... كانت جوائزهم عليها شكرهُ
وإذا طلبت وظيفة من قائم ... فأبشر فقد ولاك ولكن ظهرهُ
وقول بعض الحنابلة:
يحجون بالمال الذي يجمعونه ... حراماً إلى البيت العتيق الحرامِ
ويزعم كل أن تحط ذنوبهم ... تحط ولكن فوقهم في جهنم
والقسم الثاني - وهو الذي لا يتقدم الاستدراك فيه تقدير ولا توكيد كقول زهير:
أخو ثقة لا يهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
والزيادة فيه أنه لو اقتصر على صدر البيت، لكان مدحاً أيضاً، لكن ربما توهم متوهم أن ماله موفور وهي صفة ذم، فاستدرك بما يزيل هذا الاحتمال وتخلص الكلام إلى المدح الذي لا يشوبه به شائبة ذم.
ومنه قول المعري:
فيا دارها بالحزن إن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوالُ
ولا يخفى ما في هذا الاستدراك من الحسن والنكتة الزائدة على الاستدراك، إلا على من حجب عن ذوق البديع.
ومثله قول شيخنا العلامة محمد الشامي:
قسمت صفايا الود بيني وبينه ... سواء ولكني حفظت وضيعا
وقد تقدم أن أصحاب البديعيات إنما بنوا أبياتهم على القسم الأول، لأنه أعلى طبقة وأحلى مذاقاً، وأرشق عبارة من قسيمه.
والشيخ صفي الدين الحلي حاز قصبات السبق في هذه الحلبة، وجاء بما حسدت السمع على حسن نظمه اللبة وبيته:
رجوت أن يرجعوا يوماً وقد رجعوا ... عند العتاب ولكن من وفا ذممي
فإنه قرر ما أخبر به قبل الاستدراك، وأكده بقوله: وقد رجعوا؛ والتنكيت الرائع في قوله: عن وفا ذممي، المتعلق برجعوا، وقوله: عند العتاب تكميل بديعي.
وابن جابر الأندلسي لم ينظم هذا النوع في بديعيته.
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
فكم حميت بالاستدراك ذا أسف ... لكن على المشتهى والبرء من سقمي
قال ابن حجة: أما هذا البيت فإنه متعلق البناء مع عقادة التركيب. انتهى. وقال غيره: بل لا مفهوم له.
وبيت ابن حجة قوله:
قالوا نرى لك لحماً بعد فرقتنا ... فقلت مستدركاً لكن على وضمِ
هذا البيت معمور بالبرودة لفظاً ومعنى؛ على أن قوله: مستدركاً؛ لا يفيد معنى زائداً غير تسمية النوع.
وبيت بديعية الطبري قوله:
واستدركوا الود منهم مخلصين به ... لكن لغير وما راعوا جزا خدمي
وبيت بديعيتي هو قولي:
أملت عودهم بعد العتاب وقد ... عادوا ولكن إلى استدراك صدهمِ