وحكى عن الكرخي رحمه الله أيضًا أن الوجوب يتعين بأحد أمرين: إما بالفعل، أو بأن يتضيق عليه الوقت.
والمذهب المختار أن الأمر الموقت بوقت، في إفادة الوجوب فيه، كالأمر المطلق في إفادة الوجوب في جميع العمر، فيقتضي إيجاب الفعل المستغرق للوقت والفعل في كل جزء من أجزاء الوقت على طريق البدل كما ذكرنا، وهو بمنزلة قوله:"افعل في أي جزء شئت من أجزاء هذا الوقت". ولو مات في أثناء الوقت فجأة فالحكم فيه ما ذكرنا.
وأما من قال باختصاص الوجوب بأول الوقت -[فـ] ذهب في ذلك إلى أن للوجوب حكم الأمر، والأمر قد وُجد في أول الوقت، فيثبت حكمه- دلَّ عليه أنه لو فعل في أول الوقت سقط عنه الواجب، والواجب إنما يسقط بفعل ما تناوله الإيجاب، فلولا أن الفعل في أول الوقت واجب لما سقط عنه بأدائه.
وأما من قال باختصاصه بآخر الوقت-[فـ] قال بأن الفعل في الوقت لو كان واجبًا لما جاز تركه، إذ الواجب ما لا يجوز الإخلال به.
وقوله بأنه يسقط الفرض، قلنا: ليس يمتنع أن يكون الفعل نفلًا ثم يسقط به الفرض، كالوضوء قبل الوقت: نفل، لأن الوضوء إنما يجب لأجل الصلاة، ولا صلاة عليه قبل الوقت. ومع هذا يسقط به الوضوء الواجب في الوقت بقوله تعالى:{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا}. وكذا الزكاة قبل حولان الحول: نفل، يسقط به الفرض. ولا يقال بأن المفعول في أول الوقت لو كان نفلًا