وكذلك قوله:"جاءني زيد" إنباء عن مجئ نفسه- فيجب أن يكون تأكيده عبثًا.
ثم نقول: في التأكيد فوائد:
منها- أنه يحصل به قوة الظن، لأن كل لفظ أمارة على المراد، وإذا جمع بين الأمارتين فقد زادنا دلالة على دلالة، فيقوى الظن، ولهذا كثَّر الله الأدلة على مدلول واحد.
ومنها- أن يظن المستمع أن المتكلم ساه ويعرف المتكلم من حاله ذلك، فيؤكده، ليقف السامع على أنه غير ساهٍ.
ومنها- أن يظن المتكلم أن المستمع ساه، فيصله بالتأكيد، ليزول السهو.
ومنها- أن يقترن بكلامه ما يدل على التخصيص كما إذا قال:"ضربت من في الدار" وفيهم أبوه أو صديقه كما ذكرنا، فيصل كلامه بالتأكيد، ليزول اللبس.
ومنها- أن يكون أحد اللفظين أكثر استعمالًا في الخصوص، فيؤكد به ما هو أقل استعمالًا، فيحصل بينهما من قوة الظن ما لا يحصل بأحدهما، لأن الأمارة القوية، مع ما دونها من الأمارة، أقوى منها لو انفردت.
ومنها- أن كلمة "من" لو كانت موضوعة للاستغراق لاستحال جمعها، لأن الجمع يفيد أكثر مما يفيد الفرد، وليس وراء الاستغراق شيء يفيده الجمع، وقد ورد الجمع بكلمة "من" قال الشاعر: