والدلالة على صحة المذهب الأول أن قول القائل "رأيت الناس كلهم" فـ "كلهم" فيه للتأكيد- هكذا قاله أهل اللغة. وإنما يكون للتأكيد إذا كان قوله "رأيت الناس" مقتضيًا للاستغراق، لأن التأكيد تقرير للمؤكد، وإنما يكون تقريرًا له إذا كان مطابقًا لقضيته.
فإن قيل: لم قلت بأن وصف ذلك بأنه تأكيد، قول لجماعتهم، حتى يكون حجة؟ ولئن ثبت ذلك، فإنما وصفه بأنه تأكيد، لأن قوله "رأيت الناس" يصلح للكل والبعض، فإذا قال:"رأيت الناس كلهم" تبين أنه أراد به الكل، وأكد إرادته بكلمة "كل"- قلنا:
أما الأول- فالنقل عن أئمة اللغة ثابتة مطلقًا، ولو كان فيهم من يصف ذلك، بأنه ليس بتأكيد، بل هو بيان، لنقل إلينا، كما هو عادة النقلة، ولما لم ينقل- عرفنا أن ذلك قول لجماعتهم.
وأما الثاني- فباطل أيضًا، لأنه يقتضي أن كل ما دل على الشيء يكون مؤكدًا، وإنه باطل. ولأن ذلك لو كان بيانًا لأحد المحتملين، يسمى بيانًا، لا تأكيدًا، كقولنا "شفق": لما كان محتملًا للبياض والحمرة فقول القائل "رأيت الشفق الذي هو البياض" يكون بيانًا لأحد المحتملين، لا تأكيدًا، لأن التأكيد تقرير المؤكد، والبيان كشف المراد- وحيث اتفقوا على حُسْن التأكيد بهذا الكلام، دل على أنه موضوع للاستغراق.
دليل آخر: إن قول القائل "رأيت الناس" يصح أن يستثنى منه أي رجل شاء، وهذا دليل الاستغراق، لما مر، فيما تقدم.
دليل آخر: إن الألف واللام إذا دخلا في الاسم، صار الاسم معرفة- كذا نقل عن أئمة اللغة، فيجب صرفه إلى ما به تحصل المعرفة، وإنما يحصل