معنى المعرفة، عند إطلاقه، بالصرف إلى الجنس، لأن كل الجنس معلوم للمخاطب، فأما الصرف إلى ما دونه، [فـ] لا يفيد المعرفة، لأن بعض الجموع ليس بأولى من البعض، فكان مجهولًا.
فإن قيل: إذا أفاد جمعًا من هذا الجنس، فقد أفاد تعريف هذا الجنس وتمييزه عن أجناس أخر، فيحصل معنى المعرفة، فلا حاجة إلى الصرف إلى كل الجنس- قلنا: هذه الفائدة حاصلة بدون الألف واللام، فإنه لو قال "رأيت رجلًا" يفيد تعريف هذا الجنس وتمييزه عن غيره، ولا يسمى اسم معرفة، فدل للألف واللام فائدة زائدة في التعريف، وليس ذلك إلا الاستغراق.
ودليل آخر: إن الجمع المعرف بالألف واللام، في اقتضاء الكثرة، فوق الجمع المنكر، حتى صح انتزاع الجمع المنكر من الجمع المعرف، ولا يصح على العكس، فإنه يصح أن يقال "رجال من الرجال" ولا يصح أن يقال "الرجال من رجال"، ومن المعلوم بالضرورة أن المنتزع منه أكثر من المنتزع. إذا ثبت هذا [فـ] نقول: هذه الكثرة إما أن تكون هو الكل أو ما دون الكل: لا وجه للثاني، لأن ما من عدد دون الكل إلا ويصح انتزاعه من هذا اللفظ، وقد ذكرنا أن المنتزع منه يجب أن يكون أكثر، ومتى بطل كونه موضوعًا لما دون الكل، كان موضوعًا للكل ضرورة.
وأما المخالف فقد احتج في المسألة بأن قال: إن قول القائل "جمع الأمير الصَّاغة" لا يعقل منه أنه جمع صاغة الدنيا، وإنما يعقل منه أنه جمع البعض من هذا الجنس دون غيرهم.