كما قال تعالى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} فلو بلغ المائة لقال: لبث فيهم تسعمائة عام.
- وإن عنى به وقوعه كلاما مفهوماّ يتعلق الحكم المختص بالاستثناء به، فنقول: هو جائز: لأن الاستثناء على هذا الوجه مفهم للغرض، لأنه يفهم السامع من غير تأمل أنه يريد هذا القدر، والمقصود، من الكلام هو الإفهام، فمتى كان مفهوما جاز التكلم به. ولأن الاستثناء يخرج من اللفظ ما تناوله اللفظ، فكان إخراجه استثناء على موجب اللغة، فجاز التكلم به إلا أن يمنع منه مانع.
فإن قيل: المانع من ذلك أن أهل اللغة لم يستعملوا [ذلك]. أو لأن الحكمة تمنع من ذلك، لأن الغرض من الاستثناء في أصل الوضع إما الاختصار أو الاستدراك: أما الاستدراك فهو أن يكون لرجل على رجل تسعة دراهم فأراد أن يقَّر بها فأقرَّ بعشرة ثم ذكر في الحال أن له عليه تسعة، فيستدرك ذلك بالاستثناء. وأما الاختصار فهو أن الرجل يستطيل ويستقل [نحو] أن يقول: "لفلان على تسعة دراهم وخمسة دوانيق" فيقول: "له على عشرة دراهم إلا دانقا". ومتى كان الغرض من الاستثناء هذا، ولم يتحقق هنا، لأنه ليس من الاختصار أن يقول:"لفلان على ألف درهم إلا تسعمائة وتسعة وتسعين درهما". وكذلك الاستدراك، لأن العادة لم تجر فيما بين الناس أن يكون على الرجل درهم ويقر أن عليه ألف درهم [ثم يستدرك]- ومتى لم يحصل