أما لا يقتضى منع رجوعه إلى ما تقدم بسبب آخر ويجوز أن يكون للحكم الواحد سبب وأسباب فيثبت الحكم لوجود سبب مع فقد ما عداه من الأسباب، فهنا إن عدم سبب وهو الاستقلال، فلم قلتم بأنه لم يوجد سبب آخر يقتضى رجوع الاستثناء إلى جميع ما تقدم ذكره، وأن لا يدخله الاستقلال بصرفه إلى ما يليه؟
فإن قال: هناك وجد معنى آخر وراء الاستقلال يقتضى رجوع الاستثناء إلى جميع ما تقدم وهو ما ذكرنا: أن الكلامين مع حرف العطف، ومع أنه لم يعدل عن كلام مستقل إلى كلام مستقل، ككلام واحد، يتعلق الاستثناء بالكل.
ووجه آخر لهم: الاستدلال بالاستثناء من الاستثناء ينصرف إلى ما يليه، حتى لو قال:"لفلان على عشرة إلا ثلاثة إلا درهم" ينصرف الاستثناء إلى ما يليه حتى يلزمه ثمانية دراهم، والمعنى فيه أنه لا يفتقر في الاستقلال إلى أكثر مما يليه، وهو المعنى موجود في الاستثناء عقيب الجملة.
والجواب:
أن الاستثناء الثاني غير متصل بالكلام الأول، لأنه متصل بالاستثناء الأول، وليس بين الاستثناء وبين الكلام مما يجعلهما ككلام واحد، من حرف عطف وغيره، فبقى الاستثناء الثاني منفصلا عن الكلام الأول، فلذلك لم يرجع إليه، بخلاف قوله:"أكرم بني تميم وربيعة إلا الطوال منهم" على ما مر.
فإن قيل: هلا جعلتم الاستثناء واحد، حتى يتعلق بالكل، فيكون المستثنى أربعة؟ قلنا: في جعل الاستثناءين واحدا عطف الثاني على الأول، حتى يصير كأنه قال:"على عشرة إلا ثلاثة وإلا دراهم"، ولم يوجد حرف العطف هنا، ولا حاجة إلى التقدير، لأن الكلام صحيح بدونه- والله أعلم.