والمخالف احتج، وقال: إن النبي عليه السلام بُعث مبينِّناّ فلا يجوز أن تحتاج السنة إلى بيان- والجواب أن كونه مبيناّ لا يمنع أن يأتي بسنة محتاجة إلى البيان، فيبين سنة بسنة أخرى.
(ج) - وأما تخصيص الكتاب بالسنة بفعل الرسول عليه السلام-[فقد] وجب أن يعلم أن الخطاب متى ورد عامًا مقتضيًا تحريم أشياء، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعض ذلك، [هل] يدل على تخصيص العام، أو يحمل على أنه عليه السلام مخصوص بذلك:
قال بعضهم: يدل على تخصيص العام.
وقال بعضهم: يدل على أنه مخصوص به.
والأول- أصح لأن الأصل مساواته لأمته في الأحكام، لما نذكره من وجوب التآسي بالنبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الأصل ذلك، فالإباحة في حقه تدل على الإباحة في حق غيره، وكان فعله في الدلالة على التخصيص كقوله- فكما جاز تخصيص العام بقوله، جاز تخصيصه بفعله- دل عليه أنه عليه السلام أمر باتباع أفعاله، كما أمر باتباع أقواله بقوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله عليه السلام:"خُذوا عني مناسككم"، والصحابة رضي الله عنهم راجعوا أفعاله كما راجعوا أقواله- دل أنهما في بيان الحكم على السواء.
والدليل على جوازه وجوده: فإن النبي عليه السلام خص قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} برجم ماعز.