فإن قيل: سلمنا أن الأمر والنهي تناولا فعلًا واحدًا، لكن على جهتين مختلفتين. فإن الأمر تناول صلاة لا ينهى عنها، فإذا جاء النهي عرفنا أن الفعل على هذه الجهة غير داخل تحت الأمر- قلنا:[الوجه الأول]- النهي ليس بوجه يقع عليه الفعل ليقال إنه قبح لأجله، بل لا بد في صحة النهي عن الشيء من كونه واقعًا على جهة لهـ[ـا] تأثير في القبح. وكذلك الأمر: ليس بوجه يقع عليه الفعل ليقال إنه حسن لأجله، بل لا بد من جهة لها تأثير في الحسن، ولا مغايرة بينهما في تلك الجهة.
(ب) - والوجه الثاني- إن الآمر إما إن أراد حصول المأمور به على ما ذهب إليه البعض، أو أراد إيجاب المأمور به على ما هو مذهبنا. وعلى كلا الوجهين: لو جوَّزنا النسخ قبل التمكن وحضور وقت الفعل، يؤدي إلى امتناع حصول ما أراده الله تعالى، وذلك لا يجوز. بيانه: أن الله تعالى متى أراد حصول المأمور به، لا بد أن يحصل، كي لا يلحقه بذلك نقص- على ما عرف. فلا يتصور حصول فعل الواجب قبل وقته. وكذلك: إن أراد وجوب المأمور به، لأن الوجوب عبارة عن كون الفعل بحالة لو فعله المكلف يستحق المدح، ولو أخل به يستحق الذم. فمتى أمره بالفعل في وقت بعينه أو مقيدًا بحالة الإمكان- لا يقتضي كونه بهذه الحالة قبل الوقت والإمكان. فلو نسخ قبل وقته، لا يتصور حصوله بهذه الحالة في الوقت، بل على خلافه، فلا يحصل ما أراده الله تعالى أصلًا، وهو محال. ولأنه يؤدي إلى البَدَاء، لأن البداء هو إرادة الشيء في وقت وكراهيته في ذلك الوقت بعينه، على التعاقب، وهذا نسخ يؤدي إلى ذلك- على ما مرَّ.
فإن قيل: الأمر يقتضي إرادة وجوب المأمور به في ظن المأمور، وقد صار الفعل على ظن المأمور بحالة لو لم يفعله في وقته، يستحق الذم- قلنا: إنما يغلب