هذا هو تقرير هذا القول - إلا أن القائل إن يقول: أهل اللغة إنما سوغوا آن يقال للمتكلم به: صدقت أو كذبت، بعد أن عرفوا معنى الصيغة وميزوها عما لا يصح أن يقال فيه ذلك، فيجب أن يكون الحد لما ينبئ عن تلك الصفة.
وقال بعضهم: إن حقيقة الخبر هو الصدق دون الكذب، لأنه مأخوذ من الخبر وهو العلم الذي يتناول الشيء على ما هو به، والإخبار هو الإعلام، والخبير هو العالم، والكذب لا يقع به الإعلام، وإنما يقع بالصدق - إلا أن هذا غير صحيح، وهو خلاف عرف أهل اللغة، فإنهم يصفون الكذب بأنه خبر، كما يصفون الصدق به - يقولون:((أخبر صادقاً - وأخبر كاذباً - وهذا خبر صدق - وهذا خبر كذب)) ولأن قول القائل: ((زيد في الدار)) وهو ليس فيها خبر، لأنه قسم من أقسام الكلام، وأقسام الكلام محصورة في الأمر والنهى والاستخبار والإخبار والفتى -وليس هذا داخلاً في الاستخبار والتمني والأمر والنهى، وكان خبراً ضرورة.
وقوله بأنه ((مشتف من الخبر والإعلام)) - قلنا: الجواب عنه من وجوه: أحدها - أن استعمالهم إياه فيما لا يتحقق فيه العلم دليل على أنه غير مأخوذ منه.
والثاني - إن كان كذلك، لكن معنى كونه إعلاماً، كونه نبئاً عنه مفضياً إلى العلم بالمخبر به. وقوله:((زيد في الدار)) ينبئ عن كونه فيها، مقتضياً حصول العلم به، وإن كان كذباً في نفسه.
والثالث - إن لم يتحقق معنى الإعلام في الكذب، فلا يتحقق فيه معنى الخبر على قضية أصل اللغة، لكن تعارف أهله وجعلوه حقيقة لهما جميعاً،