وإنما شرطنا [الأول]: ذلك لأنه لو جاز أن يشترك الكل في الكذب، اتفاقاً أو تواطؤاً أو مراسلة لم نأمن أن يكونوا كاذبين.
وإنما شرطنا الثاني - لأنه لو جاز أن يكونوا قد ألبس عليهم ما أخبروا عنه، فظنوا أنهم محقون ولم يكونوا محقين، فلا نثق بصحة قولهم - دل عليه أن المسلمين بأجمعهم أخبروا اليهود بنبوة محمد عليه السلام ولم يحصل لهم العلم. ولو أخبر بعضهم عن مشاهدة يحصل لهم العلم، ولا فرق إلا فيما ذكرناه.
وإنما قلنا: إن ما كان فيه هذه الشرائط يوجب العلم، لأن خبر المخبرين لو كان كذباً لا يخلو: إما إن اعتقدوا ذلك وتعمدوا كذبه، أو لم يتعمدا ذلك، ولكن ظنوا أنه صدق وهو على خلاف ذلك.
والآخر لا يتأتى فيما إذا كن المخبر به معلوماً باضطرار لا لبس فيه ولا اشتباه.
وأما إذا تعمدوا الكذب، [ف] لا يخلو: إما إن تعمدوا ذلك لداع أو لغير داع. والآخر باطل لأن العاقل المخبر، لا سيما الجماعة العظيمة، لا يفعل فعلاً إلا لداع. وأن تعمدوا ذلك لداع [ف] لا يخلو: إما أن يرجع الداعي إلى نفس الخبر أو إلى غيره. أما الذي يرجع إلى الخبر فهو كونه كذباً، وكونه كذباً ليس بداع، بل هو صارف، بخلاف الصدق فإنه داع. وأما الراجع إلى غيره [ف] لا يخلو: إما إن كان ديناً أو دنيا من رغبة أو رهبة. فلا يخلو: إما إن تعمدوا ذلك لداع واحد، أو بعضهم لداع وبعضهم لآخر:
أما الدين المؤدى إلى الخبر عن النبي عليه السلام أو على خلاف ما هو به وعلموه، فهو ظاهر الفساد، ولا يشترك الخلق الكثير في إثبات ما هو ظاهر